منصور وأبو داود والنسائيّ وغيرهم (في نزول الآية عن ابن عباس رضي الله عنه) قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان. فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد.
وهم بيننا وبين القبلة. فصلى بنا النبيّ صلى الله عليه وسلم الظهر. فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم. ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم.
فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... فحضرت الصلاة. فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح. فصفنا خلفه صفين. ثم ركع فركعنا جميعا. ثم رفع فرفعنا جميعا. ثم سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم. فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون. فسجدوا في مكانهم. ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء. ثم ركع فركعوا جميعا. ثم رفع فرفعوا جميعا. ثم سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم. فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا. ثم سلم عليهم.
وروى عبد الرزاق عن الثوريّ عن هشام، مثل هذا، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. إلا أنه قال: نكص الصف المقدم القهقرى حين يرفعون رؤسهم من السجود. ويتقدم الصف المؤخر فيسجدون في مصاف الأولين.
وروى عبد الرازق وابن المنذر وابن جرير «١» عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد (في قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : نزلت يوم كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان فتواقفوا. فصلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربعا. ركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جميعهم، فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم ويقاتلوهم، فأنزل الله عليهم: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ. فصلى النبيّ صلى الله عليه وسلم العصر وصف أصحابه صفين وكبر بهم جميعا. فسجد الأولون بسجوده والآخرون قيام لم يسجدوا. حتى قام النبيّ صلى الله عليه وسلم والصف الأول. ثم كبر بهم وركعوا جميعا. فقدموا الصف الآخر واستأخروا. فتعاقبوا السجود كما فعلوه أول مرة. وقصر النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ركعتين
. وفي هذه الأحاديث أن صلاة الطائفتين مع الإمام جميعا. واشتراكهم في الحراسة. ومتابعته في جميع أركان الصلاة إلا السجود. فتسجد معه طائفة وتنتظر الأخرى حتى تفرغ الطائفة الأولى. ثم تسجد وإذا فرغوا من الركعة الأولى تقدمت الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة.
وتأخرت المتقدمة. (فإن قلت) : لا ينطبق ما في الآية على هذه الروايات التي حكت سبب نزولها. وذلك لأن قيل في الآية: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ