والمملوك، والسلطان والصعلوك، والعاقل والجاهل، والمفضول والفاضل. فيكون الإذعان لهم أشبه بالاضطراريّ منه بالاختياريّ النظريّ. يعلمونهم ما شاء الله أن يصلح به معاشهم ومعادهم. وما أراد أن يعلموه من شؤون ذاته وكمال صفاته.
وأولئك هم الأنبياء والمرسلون. فبعثه الأنبياء، صلوات الله عليهم، من متممات كون الإنسان. ومن أهم حاجاته في بقائه. ومنزلتها من النوع منزلة العقل من الشخص.
ثم قال، في الكلام على وظيفة الرسل عليهم السلام: تبين مما تقدم في حاجة العالم الإنسانيّ إلى الرسل، أنهم من الأمم بمنزلة العقول من الأشخاص، وأن بعثتهم حاجة من حاجات العقول البشرية، قضت رحمة المبدع الحكيم بسدادها، ونعمة من واهب الوجود ميّز بها الإنسان عن بقية الكائنات من جنسه. ولكنها حاجة روحية وكل ما لامس الحسّ منها، فالقصد فيه إلى الروح وتطهيرها من دنس الأهواء الضالة وتقديم ملكاتها. أو إيداعها ما فيه سعادتها في الحياتين. أمّا تفصيل طرق المعيشة، والحذق في وجوه الكسب، وتطاول شهوات العقل إلى درك ما أعدّ للوصول إليه، من أسرار العلم- فذلك مما لا دخل للرسالات فيه. إلا من وجه العظة العامة، والإرشاد إلى الاعتدال فيه، وتقرير أن شرط ذلك كله أن لا يحدث ريبا في الاعتقاد بأن للكون إلها واحدا قادرا عالما حكيما متصفا بما أوجب الدليل أن يتصف به، وباستواء نسبة الكائنات إليه في أنها مخلوقة له وصنع قدرته. وإنما تفاوتها فيما اختص به بعضها من الكمال. وشرطه أن لا ينال شيء من تلك الأعمال السابقة أحدا من الناس بشرّ في نفسه أو عرضه أو ماله، بغير حق يقتضيه نظام عامة الأمة، على ما حدد في شريعتها.
يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته. ويبيّنون الحدّ الذي يجب أن يقف عنده في طلب ذلك العرفان. على وجه لا يشق عليه الاطمئنان إليه، ولا يرفع ثقته بما آتاه الله من القوة. يجمعون كلمة الخلق على إله واحد لا فرقة معه، ويخلون السبيل بينهم وبينه وحده. وينهضون نفوسهم إلى التعلق به في جميع الأعمال والمعاملات ويذكرونهم بعظمته بفرض ضروب من العبادات، فيما اختلف من الأوقات. تذكرة لمن ينسى. وتزكية مستمرة لمن يخشى. تقوّي ما ضعف منهم. وتزيد المستيقن يقينا.
يبيّنون للناس ما اختلفت عليه عقولهم وشهواتهم وتنازعته مصالحهم ولذاتهم.
فيفصلون في تلك المخاصمات بأمر الله الصادع. ويؤيدون، بما يبلغون عنه، ما تقوم