للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع (نعم) محرّكة وقد تسكن عينه. وهي الإبل والبقر والشاء والمعز إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: رخصت لكم الأنعام كلها. إلّا ما حرم عليكم في هذه السورة، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك. وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبحيرة.

فأخبر الله تعالى أنهما حلالان، إلّا ما بيّن في هذه السورة، ثم قال غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يعني: أحلت لكم هذه الأشياء. من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون. ف (غير) نصب على الحالية من ضمير (لكم) . قال في (العناية) : ولا يرد ما قيل: إنه يلزم تقيد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد وهم حرم. وهي قد أحلت لهم مطلقا. ولا يظهر له فائدة، إلّا إذا عنى بالبهيمة الظباء وحمر الوحش وبقره، لأنه- مع عدم اطراد اعتبار المفهوم- يعلم منه غيره بالطريق الأولى. لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم، فكيف في غير هذه الحال؟ فيكون بيانا لإنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك. وبيانا لأنهم في غنية عن الصيد وانتهاك حرمة الحرم. وفي (الإكليل) : في الآية تحريم الصيد في الإحرام والحرم. لأن «حرما» بمعنى محرمين، ويقال: أحرم أي: بحجّ وعمرة. وأحرم: دخل في الحرم. انتهى.

قال بعض الزيدية: والمراد بالصيد المحرّم على المحرم. هو صيد البر. لقوله في هذه السورة: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [المائدة: ٩٦] ، هذا إذا جعل (حرم) جمع (محرم) وهو الفاعل للإحرام، وإن جعل للداخل في الحرم، استوى تحريم البحريّ والبرّي. وذلك حيث يكون في الحرم نهر فيه صيد فيحرم، لقوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران: ٩٧] . لأنه يقال لمن دخل الحرم، أنه محرم. كما يقال: أعرق وأنجد: إذا دخل العراق ونجدا. ويكون التحريم في مكة وحرم المدينة لما ورد من الأخبار في النهي عن صيد المدينة وأخذ شجرها. نحو: المدينة «١» حرم من عير إلى ثور. انتهى.


(١)
أخرجه البخاري في: فضائل المدينة، ١- باب حرم المدينة، حديث ٩٤٣ ونصه: عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «المدينة حرم من كذا إلى كذا. لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .
ورواه أيضا في: الاعتصام، ٦- باب إثم من آوى محدثا. ونصه: حدثنا عاصم قال: قلت لأنس:
أحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال: نعم. ما بين كذا إلى كذا. لا يقطع شجرها. من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. و (ما بين كذا إلى كذا) معناه: من عير إلى ثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>