للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ ابن كثير: استدل على المالكية الجمهور بهذا الحديث. وفي ذلك نظر. لأنه قضية عين. ويحتمل أن يكون شحما يعتقدون حله، كشحم الظهر والحوايا ونحوهما. والله أعلم.

وأجود منه في الدلالة ما ثبت في (الصحيح) «١» أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية. وقد سموّا ذراعها- وكان يعجبه الذراع- فتناوله فنهش منه نهشة. فأخبره الذراع أنه مسموم، فلفظه وأثّر ذلك في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره. وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور، فمات. فقتل اليهودية التي سمّتها، وكان اسمها زينب. ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا؟

وفي الحديث الآخر: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهوديّ على خبز شعير وإهالة سنخة. يعني ودكا زنخا» .

الثالث: تمسك ابن العربيّ- من أئمة المالكية- بهذه الآية على حلّ ما يقتله الفرنج، وإن رأينا ذلك، لأنه من طعامهم. نقله عنه الشيخ خليل في (توضيحه) واستبعده. وقال الإمام ابن زكري: صنف ابن العربيّ في إباحة مذكّى النصرانيّ بغير وجه ذكاتنا. والمحققون على تحريمه. وقد أوضح ذلك الفقيه محمد الدليميّ السوسيّ المالكيّ في (فتاويه) ، وقد سئل عن ذبيحه الكتابيّ: هل تحل المذكّى كيف كانت. سواء وافقت ذكاتنا أم لا؟ بقوله مجيبا: قال الإمام ابن العربيّ: إذا سلّ النصرانيّ عنق دجاجة حلّ للمسلم أكلها. لأن الله تعالى أحلّ لنا أكل طعامهم الذي يستحلونه في دينهم. وكل ما ذكوه على مقتضى دينهم، حل لنا أكله. ولا يشترط


(١)
أخرجه البخاري في: الجزية والموادعة مع أهل الحرب، ٧- باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم؟ حديث ٢٤٩٨ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتحت خيبر، أهديت للنبيّ صلى الله عليه وسلم شاة فيها سمّ. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «أجمعوا إليّ من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له. فقال: «إني سائلكم عن شيء. فهل أنتم صادقيّ عنه» ؟ فقالوا: نعم. قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم «من أبوكم» ؟ قالوا: فلان. فقال «كذبتم، بل أبوكم فلان» قالوا: صدقت. قال «فهل أنتم صادقيّ عن شيء، إن سألت عنه» ؟ فقالوا: نعم. يا أبا القاسم! وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا.
فقال لهم «من أهل النار» ؟ قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «اخسئوا فيها. والله! لا نخلفكم فيها أبدا» ثم قال «فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه» ؟ فقالوا:
نعم. يا أبا القاسم! قال «هل جعلتم في هذه الشاة سمّا» ؟ قالوا: نعم. قال «ما حملكم على ذلك» ؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح. وإن كنت نبيّا لم يضرك.
وأخرجه أبو داود، بمعناه، في: الديات، ٦- باب فيمن سقى رجلا سمّا أو أطعمه، فمات، هل يقاد منه؟ حديث ٤٥٠٨ عن أنس و ٤٥٠٩ وعن أبي هريرة، حديث ٤٥١٠ و ٤٥١١ و ٤٥١٢
.

<<  <  ج: ص:  >  >>