«والتحقيق أنّ الشارع لم ينقلها، ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها، كقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران: ٩٧] ، فذكر حجّا خاصّا وهو حج البيت، وكذلك قوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ... [البقرة: ١٥٨] ، فلم يكن لفظ الحج متناولا لكل قصد، بل لقصد مخصوص دلّ عليه اللفظ نفسه من غير تغيير اللغة. والشاعر إذا قال:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون سبّ الزّبرقان المزعفرا
كان متكلما باللغة، وقد قيل: لفظه يحجّ سب الزبرقان المزعفرا. ومعلوم أنّ ذلك الحج المخصوص الذي أمر الله به دلت عليه الإضافة أو التعريف باللام. فإذا قيل: الحج فرض عليك، كانت لام العهد تبيّن أنه حجّ البيت.
وكذلك الزكاة. هي اسم لما تزكو به النفس. وزكاة النفس زيادة خيرها، وذهاب شرها. والإحسان إلى الناس من أعظم ما تزكو به النفس، كما قال تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة: ١٠٣] ، وكذلك ترك الفواحش مما تزكو به، قال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً [النور: ٢١] . وأصل زكاتها بالتوحيد وإخلاص الدين لله، قال تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت: ٦- ٧] . وهي عند المفسّرين التوحيد. وقد بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم مقدار الواجب وسماها الزكاة المفروضة.
فصار لفظ الزكاة- إذا عرّف باللام- ينصرف إليها، لأجل العهد.
ومن الأسماء ما يكون أهل العرف نقلوه، وينسبون ذلك إلى الشارع، مثل لفظ (التيمّم) فإنّ الله تعالى قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: ٦] .
فلفظ التيمم استعمل في معناه المعروف في اللغة، فإنه أمر بتيمم الصعيد، ثم أمر بمسح الوجوه والأيدي منه، فصار لفظ التيمم، في عرف الفقهاء، يدخل في هذا المسح، وليس هو لغة الشارع، بل الشارع فرّق بين تيمّم الصعيد وبين المسح الذي يكون بعده.
ولفظ (الإيمان) أمر به مقيدا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. وكذلك لفظ (الإسلام) بالاستسلام لله رب العالمين. وكذلك لفظ (الكفر) مقيدا. ولكن لفظ (النفاق) قد قيل: إنه لم تكن العرب تكلمت به، لكنه مأخوذ من كلامهم. فإنّ (نفق) يشبه خرج، ومنه: نفقت الدابة إذا ماتت، ومنه نافق اليربوع. والنفق ف