للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوضوء للظهر بعد صلاة الصبح. ثم يغسل يديه ربع النهار. ثم يمسح رأسه بعد زوال الشمس. ثم يغسل رجليه قبيل العصر. مع وقوع ذلك المتوضئ مثلا، في الغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية والضحك والغفلة. وغير ذلك من المعاصي والمكروهات. أو خلاف الأولى إن كان ممن يؤاخذ به كما يؤاخذ بأكل الشهوات.

فمثل هذا الوضوء، وإن كان صحيحا في ظاهر الشرع- من حيث إنه يصدق عليه إنه وضوء كامل- فهو قليل النفع لعدم حصول حياة الأعضاء به بعد موتها أو ضعفها أو فتورها. ففات بذلك حكمة الأمر بالموالاة في الوضوء- وجوبا أو استحبابا- وهي إنعاش البدن وحياته قبل الوقوف بين يدي الله تعالى للمناجاة. ثم لو قدر عدم وقوع ذلك المتوضئ، الذي لم يوال، في معصية أو غفلة في الزمن المتخلل بين غسل الأعضاء. فالبدن ناشف كالأعضاء التي عمتها الغفلة والسهو والملل والسآمة. فلم يصر لها داعية إلى كمال الإقبال على الله تعالى حال مناجاته.

وقد كمل أسرار السنن بما يبهج، فلينظر في (ميزانه) رحمه الله تعالى.

وفي كلام الله تعالى من الفوائد والأسرار واللطائف، ما تضيق عنه الأسفار.

وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً أي: بخروج مني أو التقاء ختانين فَاطَّهَّرُوا أي:

بالماء، أي: اغتسلوا به. قال المهايميّ: أي: بالغوا في تطهير البدن لأنه يتلذذ به الجميع تلذذا أغرقه في غير الله، فأثر فيه بالحدث وَإِنْ كُنْتُمْ جنبا مَرْضى تخافون من استعمال الماء أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أي رجع من مكان البراز أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا أي: اقصدوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ تذليلا للعضوين الشريفين. وقد مرّ تفسير هذا وأحكامه في سورة النساء. ما يُرِيدُ اللَّهُ أي ما يريد بالأمر بالطهارة للصلاة. أو بالأمر بالتيمم لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ أي ضيق في الامتثال أو في تحصيل الماء وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ أي عن الذنوب، أو ليجعلكم في حكم الطاهرين بالتذلل بالتراب. فإنه لما رفع التكبر فكأنما رفع الحدث الذي ينشأ عن أمثاله وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أي: بشرعه ما هو مطهر لأبدانكم ومنعش لها مما لحقها، ومكفّر لذنوبكم، أو ليتم برخصه إنعامه عليكم بتمكينكم من عبادته بكل حال، حتى حال الحدث لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته ورخصته فيثيبكم.

وقد روى ابن جرير «١» عن أبي أمامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ


(١) الأثر رقم ١١٥٤٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>