للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدعاء: الحمد لله كافي من توكل عليه. وإذا كان (كفى به وكيلا) فهذا مختص به سبحانه ليس غيره من الموجودات (كفى به وكيلا) فإن من يتخذ وكيلا من المخلوقين غايته أن يفعل بعض الأمور، وهو لا يفعلها إلّا بإعانة الله، وهو عاجز عن أكثر المطالب. فإذا كان سبحانه وصف نفسه بأنه (كفى به وكيلا) علم أنه يفعل بالمتوكل عليه ما لا يحتاج معه إلى غيره من جلب المنافع ودفع المضار. إذ لو بقي شيء لم يكن (كفى به وكيلا) وهذا نقيض قول من ظنّ أنّ المتوكل عليه لا يحصل له بتوكله جلب منفعة ولا دفع مضرة، بل يجري عليه من القضاء ما كان يجري لو لم يتوكل عليه. والذين ظنوا، أصل شبهتهم أنهم لما أثبتوا أن الله إذا قضى شيئا فلا بد أن يكون، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما سبق علمه فهو كائن لا محالة- صاروا يظنون ما يوجد بسبب يوجد بدونه، وما يوجد مع عدم المانع يوجد مع المانع. وهذا غلط عظيم ضلّ فيه طوائف: طائفة قالت: لا حاجة إلى الأعمال المأمور بها. بل من خلق للجنة فهو يدخلها وإن لم يؤمن. ومن خلق للنار فهو يدخلها وإن آمن ولم يكفر. وهذه الشبهة سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم «١» لما

قال: ما منكم من أحد إلّا وقد علم مقعده من الجنة والنار قالوا: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: لا! اعملوا، فكلّ ميسّر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسييسّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فسييسّر لعمل أهل الشقاء

. وهذا المعنى قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في (الصحيح) في مواضع تبيّن أنّ ما سبق به الكتاب سبق بالأسباب التي تقضي إليه، فالسعادة سبقت بأن صاحبها يستعمل فيما يصير به سعيدا، والشقاوة سبقت بأن صاحبها يستعمل فيما يصير به شقيّا. فالقدر تضمن الغاية وسببها. لم يتضمن غاية بلا سبب. كما تضمن أن هذا يولد له بأن يتزوج ويطأ المرأة، وهذا تنبت أرضه بأن يزرع ويسقي الزرع. وأمثال ذلك. وكذلك

في (السنن) «٢»

أنه قيل له: يا رسول الله! أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقيّ نسترقي بها، وتقاة نتقيها، هل تردّ من قدر الله شيئا؟ فقال: «هي من قدر


(١)
الحديث أخرجه البخاري في: التفسير، ٩٢- سورة الليل، ٧- باب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى، حديث ٧١٨ ونصه: عن عليّ رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في جنازة. فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض. فقال «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة» قالوا:
يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال «اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة، فييسّر لعمل أهل السعادة. وأما من كان من أهل الشقاء، فييسّر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ... الآية
. (٢) أخرجه ابن ماجة في: الطب، ١- باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، حديث ٣٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>