عليهم سلطان، الذي هو من عباده المخلصين، الذي هو من عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان: ٦٣] . ومثل هذا قوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١] . وقوله: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن: ١٩] .
ثم أمره بقوله: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: ٣٨] . وقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ [يونس: ٧١] وكذلك قال عن هود لما قال قومه: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: ٥٤- ٥٦] . فهذا من كلام المرسلين، مما يبين أنه بتوكله على الله يدفع شرهم عنه.
فنوح يقول: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ ... الآية، فدعاهم، إذا استعظموا ما يفعله كارهين له، أن يجتمعوا ثم يفعلون به ما يريدونه من الإهلاك. وقال: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فلولا أنه بحقيقة هذه الكلمة- وهو توكله على الله- يعجزهم عما تحداهم به من مناجزته، لكان قد طلب منهم أن يهلكوه. وهذا لا يجوز، وهذا طلب تعجيز لهم. فدلّ على أنه- بتوكله على الله- يعجزهم عمّا تحدّاهم به، وكذلك هود، يشهد الله تعالى وإياهم أنه بريء مما يشركون بالله. ثم يتحداهم ويعجزهم بقوله: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها يبين أنه توكل على من أخذ بنواصي الإنس وسائر الدواب. فهو يدفعكم عني لأني متوكل عليه، ولو كان وجود التوكل كعدمه في هذا، لكان قد أغراهم بالإيقاع به، ولم يكن لذكر توكله فائدة، إذ كان حقيقة الأمر عند هؤلاء أنه لا فرق بين من توكل ومن لم يتوكل في وصول العذاب إليه. وهم كانوا أكثر وأقوى منه. فكانوا يهلكونه. وهو لو قال: فإنّ الله مولاي وناصري- ونحو ذلك- لعلم أنه مخبر أنّ الله تعالى يدفعهم، وإنما يدفعهم لإيمانه وتقواه، ولأنه عبده ورسوله. فالله مع رسله وأوليائه، فإذا كان بسبب الإيمان والتقوى يدفع الله عن المؤمنين المتقين، علم أن العبد تقوم به أعمال باطنة وظاهرة، تجلب بها المنفعة وتدفع بها المضرة. والتوكل من أعظم ذلك. وعلم أن من ظن أن المقدور من المنافع والمضارّ، ليس معلقا بالأسباب، بل يحصل بدونها،