للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليلب. فتكلم أبو بكر- رضي الله عنه- فأحسن، ثم تكلم، من الصحابة، من المهاجرين،

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أشيروا عليّ أيها المسلمون!

وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار. لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ. فقال سعد بن معاذ:

كأنك تعرض بنا يا رسول الله؟ فهو الذي بعثك بالحقّ! لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك. ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا.

إنّا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء. لعل الله أن يريك منّا ما تقرّ به عينك. فسر بنا على بركة الله. فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه لذلك.

وروى الإمام أحمد «١» عن عبد الله بن مسعود قال: لقد شهدت من المقداد مشهدا، لأن أكون أنا صاحبه، أحبّ إليّ مما عدل به. أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: والله! يا رسول الله! لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى:

فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن يسارك، ومن بين يديك، ومن خلفك.

فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك. وسرّه ذلك. وهكذا رواه البخاري «٢» في (المغازي) .

الخامس: استنبط العمرانيون من هذه الآية أنّ من عوائق الملك حصول المذلّة للقبيل، والانقياد لسواهم.

قال الحكيم ابن خلدون في (مقدمة العبر) في الفصل ١٩ تحت العنوان المذكور: إن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدّتها. فإنّ انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها، فما رئموا (ألفوا) للمذلّة حتى عجزوا عن المدافعة، ومن عجز عن المدافعة، فأولى أن يكون عاجزا عن المقاومة والمطالبة، واعتبر ذلك في بني إسرائيل لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام، وأخبرهم أنّ الله قد كتب لهم ملكها، كيف عجزوا عن ذلك، قالوا: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها [المائدة: ٢٢] . أي: يخرجهم الله منها بضرب من قدرته غير عصبيتنا، وتكون من معجزاتك يا موسى، ولما عزم عليهم لجّوا وارتكبوا


(١) أخرجه في المسند ١/ ٣٨٩ والحديث رقم ٣٦٩٨.
(٢) أخرجه البخاري في: المغازي، ٤- باب قول الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ... الآيات [الأنفال: ٩- ١٣] . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>