قال الخفاجي. لا شك أن لوائح الوضع عليه رائحة لركاكته، لكن ما استصعبوه من الإقواء، وترك التنوين، ليس بصعب، لما في أشعار الجاهلية والشعراء من أمثاله.
مع أنه قد يخرج بأنه نعت جرى على المحل. لأن الوجه فاعل المصدر، وهو بشاشة.
السادس: حكمة تخصيص الغراب كون دأبه المواراة.
قال أبو مسلم: عادة الغراب دفن الأشياء. فجاء غراب فدفن شيئا فتعلم ذلك منه. انتهى.
والغراب هو الطائر الأسود المعروف. وقسموه إلى أنواع. وفي الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم غيّر اسم غراب لما فيه من البعد. ولأنه من أخبث الطيور. والعرب تقول: أبصر من غراب، وأحذر من غراب، وأزهى من غراب، وأصفى عيشا من غراب، وأشد سوادا من غراب، وهذا بأبيه أشبه من الغراب بالغراب. وإذا نعتوا أرضا بالخصب قالوا: وقع في أرض لا يطير غرابها. ويقولون وجد تمرة الغراب، وذلك أنه يتبع أجود التمر فينتقيه. ويقولون: أشأم من غراب وأفسق من غراب. ويقولون: طار غراب فلان، إذا شاب رأسه. وغراب غارب على المبالغة. كما قالوا: شعر شاعر، وموت مائت. قال رؤية:
فازجر من الطير الغراب الغاربا
قالوا: وليس شيء في الأرض يتشاءم به إلّا والغراب أشأم منه. وللبديع الهمذانيّ فصل بديع في وصفه. ذكره في (المضاف والمنسوب) وأورد ما يضاف إليه الغراب ويضاف إلى الغراب. والأبيات في غراب البين كثيرة، ملئت بها الدفاتر.
وحقق الإمام أبو عبد الله الشريف الغرناطيّ- قاضي غرناطة- في شرحه على (مقصورة حازم) أن غراب البين في الحقيقة هو الإبل التي تنقلهم من بلاد إلى بلاد.
وأنشد في ذلك مقاطيع. منها:
غلط الذين رأيتهم بجهالة ... يلحون كلّهم غرابا ينعق
ما الذنب إلا للأباعر إنها ... مما يشتّت جمعهم ويفرّق
إن الغراب بيمنه تدنو النوى ... وتشتت الشمل الجميع الأينق
وأنشد ابن المسناويّ لابن عبد ربّه:
زعق الغراب فقلت: أكذب طائر ... إن لم يصدقه رغاء بعير