وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك. وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين! فقال: يا أبا هريرة! أيسرّك أن تقتل الناس جميعا وإياي معهم؟ قلت: لا! قال: فإنك إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتلت الناس جميعا، فانصرف مأذونا لك، مأجورا غير مأزور. قال:
فانصرفت ولم أقاتل.
وروى الإمام أحمد «١» عن عبد الله بن عمرو قال: «جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! اجعلني على شيء أعيش به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حمزة! نفس تحييها أحبّ إليك أم نفس تميتها؟ قال: بل نفس أحييها. قال: عليك بنفسك» .
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ يعني: بني إسرائيل رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ أي: الآيات الواضحة الناطقة بتقرير ما كتبنا عليهم، تأكيدا لوجوب مراعاته، وتأييدا لتحتم المحافظة عليه، ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ أي: من بني إسرائيل بَعْدَ ذلِكَ أي: بعد ما كتبنا عليهم، وبعد مجيء الرسل بالآيات والزجر المسموع منهم لَمُسْرِفُونَ يعني:
بالفساد والقتل. لا يبالون بعظمة ذلك.
قال ابن كثير: هذا تقريع لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها.
كما كانت بنو قريظة والنضير وغيرهم من بني قينقاع، ممن حول المدينة من اليهود الذين كانوا يقاتلون مع الأوس والخزرج، إذا وقعت بينهم الحروب في الجاهلية، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فدوا من أسروه، وودوا من قتلوه. وقد أنكر الله تعالى عليهم ذلك في (سورة البقرة) حيث يقول: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ [البقرة: ٨٤- ٨٥] الآيات.
وقال الرازيّ: المقصود من شرح هذه المبالغة- يعني قوله تعالى: فَكَأَنَّما قَتَلَ الآية- أن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء والرسل، وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى. ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم في الواقعة التي ذكرنا أنهم عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأكابر أصحابه- كان تخصيص بني إسرائيل في هذه القصة، في هذه المبالغة العظيمة، مناسبا للكلام ومؤكّدا للمقصود.