للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية فصلا مهمّا في المحاربين في كتابه (السياسة الشرعية) وقد مثّلهم بقطّاع الطريق الذين يعترضون الناس بالسلاح في الطرقات ونحوها ليغصبوهم المال مجاهرة، من الأعراب أو التركمان أو الأكراد أو الفلاحين، أو فسقة الجند أو مردة الحاضرة أو غيرهم. ثم ساق رواية الشافعيّ المتقدمة عن ابن عباس وقال:

هذا قول كثير من أهل العلم- كالشافعي وأحمد رضي الله عنهما- وهو قريب من قول أبي حنيفة- رحمه الله- ومنهم من قال: للإمام أن يجتهد فيهم فيقتل من رأى قتله مصلحة فيهم وإن كان لم يقتل مثل أن يكون رئيسا مطاعا فيهم.

ويقطع من رأى قطعه مصلحة وإن كان لم يأخذ المال. مثل أن يكون ذا جلد وقوة في أخذ المال. كما أنّ منهم من يرى أنه إذا يرى أنه إذا أخذوا المال قتّلوا وقطّعوا وصلّبوا. والأول قول الأكثر. فمن كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتله الإمام حدّا لا يجوز العفو عنه بحال، بإجماع العلماء. ذكره ابن المنذر. ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول. بخلاف ما لو قتل رجل رجلا لعداوة بينهما، أو لخصومة، أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة. فإن هذا دمه لأولياء المقتول. إن أحبوا قتلوا. وإن أحبوا عفوا. وإن أحبو أخذوا الدية لأنه قتله لغرض خاص. وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السّرّاق. فكان قتلهم حدّ الله. وهذا متفق عليه بين الفقهاء. حتى لو كان المقتول غير مكافئ للقاتل. مثل أن يكون القاتل حرّا والمقتول عبدا، أو القاتل مسلما والمقتول ذمّيّا أو مستأمنا. فقد اختلف الفقهاء:

هل يقتل في المحاربة؟ والأقوى أنه يقتل للفساد العام حدّا، كما يقطع إذا أخذ أموالهم. وكما يحبس بحقوقهم. وإذا كان المحاربون الحرامية جماعة، فالواحد منهم باشر القتل بنفسه والباقون له أعوان وردء له، فقد قيل: إنه يقتل المباشر فقط.

والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة. والردء والمباشر سواء. وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين. فإن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قتل ربيئة المحاربين. والربيئة هو الناظور الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء.

ولأن المباشر إنما يمكن من قتله بقوة الردء ومعونته. والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض، حتى صاروا ممتنعين، فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين. فإن

النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «١» : «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد


(١)
أخرجه البخاري في: الفرائض، ٢١- باب إثم من تبرأ من مواليه، حديث ٩٥ ونصه: قال عليّ رضي الله عنه: ما عندنا كتاب نقرؤه، إلا كتاب الله، غير هذه الصحيفة قال، فأخرجها فإذا فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>