للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قطعت يده حسمت، ويستحب أن تعلق في عنقه. فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى. فإن سرق ثالثا أو رابعا، ففيه قولان للصحابة ومن بعده من العلماء:

(أحدهما) تقطع أربعته في الثالثة والرابعة، وهو قول أبي بكر، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، والكوفيين وأحمد في إحدى الروايتين. و (الثاني) : أنه يحبس. وهو قول علي رضي الله عنه والكوفيين وأحمد في روايته الأخرى. وتتمة مباحث السرقة مقررة في كتب السنة.

الرابعة- قرأ الجمهور برفع (السارق والسارقة) على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: وفيما يتلى عليكم- أو وفيما فرض عليكم- السارق والسارقة، أي:

حكمها، أو الخبر قوله تعالى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. إذ المعنى: الذي سرق والتي سرقت. وقرأ عيسى بن عمر بالنصب، وفضلها سيبويه على قراءة الرفع، لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلّا بتأويل وإضمار، كذا اشتهر عن سيبويه.

قال الناصر في (الانتصاف) : المستقرأ من وجوه القراءات أن العامة لا تتفق فيها أبدا على العدول عن الأفصح. وجدير بالقرآن أن يجري على أفصح الوجوه، وأن لا يخلو من الأفصح، وما يشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد إلى ذروة فصاحته ولم يتعلق بأهدابها. وسيبويه يحاشي من اعتقاد عراء القرآن عن الأفصح واشتماله على الشاذ الذي لا يعد من القرآن. ونحن نورد الفصل من كلام سيبويه على هذه الآية ليتضح لسامعه براءة سيبويه من عهدة هذا النقل. قال سيبويه في ترجمة (باب الأمر والنهي) بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب: وملخصها أنّه متى بني الاسم على فعل الأمر، فذاك موضع اختيار النصب. ثم قال كالموضّح لامتياز هذه الآية عما اختار فيها النصب: وأما قوله عز وجل: السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا الآية، وقوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور: ٢] . فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثال قوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [محمد صلى الله عليه وسلم:

١٥] . ثم قال بعد: فيها كذا وكذا. يريد سيبويه تمييز هذه الآي عن المواضع التي بين اختيار النصب فيها. ووجه التمييز بأن الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنيا على الفعل. وأما في هذه الآي فليس بمبنيّ عليه. فلا يلزم فيه اختيار النصب.

عاد كلامه قال: وإنما وضع المثل للحديث الذي ذكر بعده. فذكر أخبارا وقصصا. فكأنه قال: ومن القصص: مثل الجنة. فهو محمول على هذا الإضمار. والله

<<  <  ج: ص:  >  >>