للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع رأسه ويرفع يده إلى السماء وينكبها إليهم ويقولون: اللهم! هل بلغت؟.


قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ من اليمن، والذي أتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم مائة.
قال، فحلّ الناس كلهم وقصّروا. إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى. فأهلّوا بالحج. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس. وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة (موضع بجنب عرفات) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشكّ قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام. كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها. حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. فأتى بطن الوادي، فخطب الناس فقال:
«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدميّ موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع ربانا. ربا عباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكنّ عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس «اللهم! اشهد. اللهم! اشهد» ثلاث مرات.
ثم أذّن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل ناقته القصواء إلى الصخرات (هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة) وجعل حبل المشاة بين يديه (حبل المشاة أي مجتمعهم) واستقبل القبلة. فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص.
وأردف أسامة خلفه. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام. حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى «أيها الناس! السكينة السكينة» .
كلما أتى حبلا من الحبال (الحبل هو التل اللطيف من الرمل الضخم) أرخى لها قليلا، حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبّح بينهما شيئا. ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر. وصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة.
ثم ركب القصواء حتى أشعر المشعر الحرام. فاستقبل القبلة. فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده.
فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا. فدفع قبل أن تطلع الشمس. وأردف الفضل بن عباس. وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين. فطفق الفضل ينظر إليهن. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر.
فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>