للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الليلة غير لدغة. فخرّق ثيابه وجعلها في الشقوق. وسدّ بعضها بقدمه اتقاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقام فيه ثلاثة أيام ثم خرج منه. فلقيه سراقة بن مالك بن جعشم.

وهو من جملة من توجه لطلبه، فقال له أبو بكر: هذا سراقة قد قرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ! اكفنا سراقة. فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها. فقال سراقة: يا محمد! ادع الله أن يطلقني ولك عليّ أن أردّ من جاء يطلبك، ولا أعين عليك أبدا! فقال اللهمّ! إن كان صادقا فأطلق عن فرسه. فأطلق الله عنه. ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه.

هذا ما أورده الماروديّ من الأعلام قبل الهجرة ثم أورد ما وقع بعدها وسننقلها عن ابن كثير، فإنه قال في هذه الآية:

ومن عصمة الله لرسوله، حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب. إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش. وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شرعية. ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها.

ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر، هابوه واحترموه. فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا. ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحمل إلى دراهم، وهي المدينة. فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود. وكلّما همّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله وردّ كيده عليه. كما كاده اليهود «١» بالسحر، فحماه الله منهم وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء. ولما سمّه «٢» اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه منه. ولهذا أشباه كثيرة جدّا يطول ذكرها. فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة:

فقال ابن جرير «٣» : حدثنا الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا أبو معشر حدثنا


(١) انظر صحيح البخاري في: الطب، ٤٧- باب السحر وقول الله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. و ٤٩- باب هل يستخرج السحر و ٥٠- باب السحر.
والحديث رقم ١٤٩٩ عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
(٢) انظر صحيح البخاري في: الجزية والموادعة، ٧- باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم؟ والحديث رقم ١٤٩٨ عن أبي هريرة.
(٣) الأثر رقم ١٢٢٧٨ من التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>