للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشك والحيرة. قال بعضهم: مثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتي بالإذن- أن يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق:

هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها إليه أو لا؟ فيجيبه بالجواز. فإن عاد فقال: أخشى أن يكون من نهب أو غصب، ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة، فيحتاج أن يجيبه بالمنع. ويقيّد ذلك إن ثبت شيء من ذلك حرم، وإن تردد كره أو كان خلاف الأولى. ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز. وإذا تقرر ذلك، فمن يسدّ باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها، فإنه يقل فهمه وعلمه، ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها- ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر، ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة- فإنه يذم فعله، وهو عين الذي كرهه السلف.

ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب الله، محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، الذين شاهدوا التنزيل. وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك، مقتصرا على ما يصلح للحجة منها، فإنه الذي يحمد وينتفع به. وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم. - كذا في (فتح الباري) .

ثم رأيت في (موافقات) الإمام الشاطبيّ رحمه الله تعالى، في أواخرها- في هذا الموضوع- مبحثا جليلا، قال في أوله:

الإكثار من الأسئلة مذموم. والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح. من ذلك قوله تعالى ... - وساق هذه الآية وما أسلفناه من الآثار وزاد أيضا عما نقلنا- ثم قال: ... والحاصل أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية، مذموم. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه. وكان يحبون أن يجيء الأعراب فيسألون حتى يسمعوا كلامه ويحفظوا منه العلم.. ثم قال: ويتبيّن من هذا أن لكراهية السؤال مواضع، نذكر منها عشرة مواضع:

(أحدها) : السؤال عمّا لا ينفع في الدين، كسؤال «١» عبد الله بن حذافة: من أبي؟

وروي في (التفسير) أنه عليه السلام سئل: ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط


(١) أخرجه البخاري في: العلم، ٢٩- باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدّث، حديث ٨٠ عن أنس بن مالك. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>