واستدلّ بالآية على جواز شهادة الكفار بناء على المراد بال (غير) الكفار.
وخصّ جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ. منهم: ابن عباس وأبو موسى الأشعريّ، وسعيد بن المسيّب، وابن سيرين، والأوزاعيّ، والثوريّ، وأبو عبيد، وأحمد- وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية- وقوّى ذلك حديث الباب- يعني حديث ابن عباس المتقدم- فإن سياقه مطابق لظاهر الآية. وقيل: المراد بال (غير) العشيرة. والمعنى (منكم) أي: من عشيرتكم أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أي: من غير عشيرتكم، وهو في قول الحسن واحتجّ له النحاس بأن لفظ (آخر) لا بدّ أن يشارك الذي قبله في الصفة، حتى لا يسوغ أن تقول: مررت برجل كريم ولئيم آخر. فعلى هذا فقد وصف (الاثنان) بالعدالة. فيتعيّن أن يكون (الآخران) كذلك.
وتعقب بأن هذا- وإن ساغ في الآية الكريمة- لكن الحديث دلّ على خلاف ذلك.
والصحابيّ إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع اتفاقا.
وأيضا، ففي ما قال ردّ المختلف فيه بالمختلف فيه. لأن اتّصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه. وهو فرع قبول شهادته، فمن قبلها وصفه بها، ومن لا، فلا. واعترض أبو حيّان على المثال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق. فلو قلت: جاءني رجل مسلم وآخر كافر، صحّ. بخلاف ما لو قلت: جاءني رجل مسلم وكافر آخر. والآية من قبيل الأول لا الثاني. لأن قوله أَوْ آخَرانِ من جنس قوله (اثنان) ، لأن كلاهما منهما صفة (رجلان) ، فكأنه قال: فرجلان اثنان ورجلان آخران. وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة. وأن ناسخها قوله تعالى: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ واحتجوا بالإجماع على ردّ شهادة الفاسق. والكافر شرّ من الفاسق. وأجاب الأولون:
بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن. حتى صحّ عن ابن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف، أن سورة المائدة محكمة. وعن ابن عباس أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحد من المسلمين، فإن اتّهما استحلفا. أخرجه الطبريّ بإسناد رجاله ثقات.
وأنكر أحمد على من قال: إن هذه الآية منسوخة.
وصحّ عن أبي موسى الأشعريّ أن عمل بذلك بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم كما تقدّم.
ورجّح الفخر الرازيّ- وسبقه الطبريّ- لذلك. أن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمؤمنين. فلما قال أَوْ آخَرانِ وضح أنه أراد غير المخاطبين.