فيكون مسماه حاصلا في أحسن الأشياء وفي أرذلها. ومتى كان كذلك، لم يكن المسمى بهذا اللفظ صفة من صفات الكمال، فوجب أن لا يجوز دعوة الله بهذا الاسم، لأنه ليس من الأسماء الحسنى، وقد أمر تعالى بأن يدعى بها. وأجيب: بأن كونه ليس من الأسماء الحسنى، لكونها توقيفية، وكونه لا يدعى به لعدم وروده- لا ينافي شموله للذات العلية، شمول العامّ. والمراد بإطلاقه عليه تعالى (فيما تقدم) شموله، لا تسميته به. وبالجملة، فلا يلزم أن كونه ليس من الأسماء الحسنى، أن لا يشمل الذات المقدسة شمولا كليا، كيف؟ وهو الموضوعات العامة. والتحاكم للغويين في ذلك- كما قدمنا-.
الثانية- ما أسلفناه من أن المعنيّ بالشهادة هو شهادته تعالى في ثبوت النبوة له صلى الله عليه وسلم، هو الذي جنح إليه الأكثر. وكأن مشركي مكة طلبوا منه صلى الله عليه وسلم شاهدا على نبوته. فقيل لهم: أكبر شيء شهادة هو الله تعالى، وقد شهد لي بالنبوة، لأنه أوحى إليّ هذا القرآن، وتحدّاكم بمعارضته، فعجزتم، وأنتم أنتم في مقام البلاغة. وإذ كان معجزا، كان إظهاره تعالى إياه على وفق دعواي، شهادة منه على صدقي في النبوة.
ولبعضهم وجه آخر، وهو أن المعني، شهادته تعالى في ثبوت وحدانيته، وتنزهه عن الأنداد والأشباه. ويرشحه تتمة الآية، وهو قوله: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ ...
إلخ، وقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.. [آل عمران: ١٨] . وقوله تعالى: فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ [الأنعام: ١٥٠] . مما يدل على أن الشهادة إنما عنى بها، في موارد التنزيل، ثبوت الوحدانية، والقرآن يفسر بعضه بعضا- والله أعلم-.
الثالثة- إنما اقتصر على الإنذار في قوله لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ لكون الخطاب مع كفار مكة، وليس فيهم من يبشّر. أو اكتفى به عن ذكر البشارة على حدّ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] .
الرابعة- استدل بقوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الناس كافة، وإلى الجن.
الخامسة- استدل به أيضا على أن أحكام القرآن تعمّ الموجودين يوم نزوله، ومن سيوجد بعد إلى يوم القيامة، خلا أن ذلك بطريق العبارة في الكل- عند الحنابلة- وبالإجماع عندنا في غير الموجودين، وفي غير المكلفين يومئذ- أفاده أبو السعود-.