وقال الحارث المحاسبيّ: إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراآت. فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن. فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق.
وقال ابن التين: اقتصر عثمان، من سائر اللغات، على لغة قريش. محتجا بأنه نزل بلغتهم. وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر. فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت. فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر، في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإلغاء ما ليس كذلك. وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته، كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة، على ما يأتي بعد.
ينتج عن ذلك مسألة وهي: هل الأحرف السبعة موجودة في المصحف اليوم؟
جوابه ما قاله ابن جرير: إنا لم ندّع أن ذلك موجود اليوم. وإنما أخبرنا أن معنى
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «أنزل القرآن على سبعة أحرف»
على نحو ما جاءت به الأخبار التي تقدم ذكرها (يعني عن ابن مسعود وغيره) .
ثم قال ابن جرير:
فإن قال: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة وقد أقرأهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، وأمر بالقراءة. بهن وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلّى الله عليه وسلّم: أنسخت فرفعت؟
فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهن الأمة؟ فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه.
أم ما القصة في ذلك؟
قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة، وهي مأمورة بحفظها، ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيّرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفّر بأي الكفارات الثلاث شاءت. إما بعتق أو إطعام، أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله، مؤدّية، في ذلك، الواجب عليها من حق الله. فكذلك الأمة. أمرت بحفظ