قال لبعض من تشكك في البعث والآخرة: إن كان الأمر كما تقول من أنه لا قيامة، فقد تخلصنا جميعا، وإن لم يكن الأمر كما تقول، فقد تخلصنا وهلكت. فذكروا أنه ألزمه فرجع عن اعتقاده. وهذا الكلام، وإن خرج مخرج الشك. فإنما هو تقرير للمخاطب على خطابه، وقلة أخذه بالنظر والاحتياط لنفسه. مع أن المناظر علي ثقة من أمره، وهو نوع من أنواع الجدل.
وقوله:(إليكما) كلمة يراد بها الردع والزجر. ومعناها: كفّا عما تقولان، وحقيقته: قولكما مصروف لكما، لا حاجة لي به. انتهى.
ومن له معرفة بقرض الشعر، يعلم أنه شعر مولد.
ثم نبه الخفاجيّ على أن هذا النوع يسمى استدراجا.
قال في (المثل السائر) : الاستدراج نوع من البالغة استخرجته من كتاب الله تعالى، وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال، يستدرج الخصم حتى ينقاد ويذعن، وهو قريب من المغالطة، وليس منها. كقوله تعالى: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر: ٢٨] . ألا ترى لطف احتجاجه على طريقة التقسيم بقوله:(إن يك كاذبا فهذه عائد عليه، وإن يصدق يصبكم بعض ما وعدكم به) ، ففيه من الإنصاف والأدب ما لا يخفى. فإنه نبيّ صادق، فلا بد أن يصيبهم كل ما وعد به، لا بعضه، لكنه أتى بما هو أذعن لتسليمهم وتصديقهم، لما فيه من الملاطفة في النصح، بكلام منصف غير مشتطّ مشدّد. أراهم أنه لم يعطه حقه، ولم يتعصب له، ويحام عنه، حتى لا ينفروا عنه. ولذا قدم قوله كاذِباً، ثم ختم بقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي إلخ، يعني: أنه نبيّ على الهدى، ولو لم يكن كذلك ما آتاه الله النبوة وعضده. وفيه من خداع الخصم واستدراجه ما لا يخفى. انتهى.
وسميت القيامة (ساعة) . لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها أحد إلا هو تعالى. والمعنى: جاءتهم منيّتهم. على أن المراد بالساعة، الصغرى. قال الراغب:
الساعة الكبرى بعث الناس للمحاسبة، والصغرى موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته، وهي المشار إليها بقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً. ومعلوم أن الحشر ينال الإنسان عند موته. انتهى.