ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله، بعد النهي عن طردهم، إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد، ويعز ولا يذل، ويبشّر من الله بالسلامة في الدنيا، والرحمة في الآخرة. انتهى.
وسلف عن ابن جرير أنها نزلت في عمر رضي الله عنه.
وأخرج الفريابيّ وابن أبي حاتم عن ماهان، قال: جاء ناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما، فما ردّ عليهم شيئا، فأنزل الله: وَإِذا جاءَكَ.. الآية.
ولا يخفى أن الآية تشمل جميع ذلك، وربما تتعدد الوقائع المشتركة في حكم واحد، فتنزل الآية بيانا للكل. وتقدم لنا في مقدمة هذا التفسير، في بحث سبب النزول، أن قول السلف: نزلت في كذا، قد يقصدون به أن واقعته مما يشملها لفظ الآية، لنزولها إثرها، فتذكره، وأجل فكرك في أطرافه، فإنه مهم جدّا. وبمعرفته يندفع إشكال الرازيّ الذي قرره هنا.
وقوله تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي: أوجبها على ذاته المقدسة، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا.
وقوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ إلخ بدل من الرَّحْمَةَ. وقرئ بكسر الهمزة على أنه تفسير للرحمة بطريق الاستئناف.
وقوله: بِجَهالَةٍ في موضع الحال، أي: عمله وهو جاهل، وفيه معنيان:
أحدهما- أنه فاعل فعل الجهلة، لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة، وهو عالم بذلك، أو ظانّ، فهو من أهل السفه والجهل، لا من أهل الحكمة والتدبير، ومنه قول الشاعر:
على أنها قالت عشية زرتها ... جهلت على عمد ولم تك جاهلا
والثاني- أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة، ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته- كذا في الكشاف-.
فعلى الأول، الجهل: بمعنى السفه والمخاطرة من من غير نظر للعواقب، كما في قوله:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وكانت العرب تتمدح به، فلا حاجة لتقدير مفعول.
وعلى الثاني، المراد: الجهالة بمضارّ ما يفعله.
وقوله تعالى: وَأَصْلَحَ أي: العمل. كقوله: وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: ٧٠] .