قال: والذي يجب علينا بيان بغضها، وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تستحق العبادة، وهذا ليس بسبّ. ولهذا قال أمير المؤمنين (يوم صفين) : لا تسبوهم، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم. انتهى.
وقال الزمخشري: فإن قلت: سب الآلهة حق وطاعة، فكيف صح النهي عنه، وإنما يصح النهي عن المعاصي؟ قل: رب طاعة علم أنها تكون مفسدة، فتخرج عن أن تكون طاعة، فيجب النهي عنها لأنها معصية، لا لأنها طاعة. كالنهي عن المنكر، هو من أجل الطاعات، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية، ووجب النهي عن ذلك، كما يجب النهي عن المنكر. فإن قلت: فقد روي عن الحسن وابن سيرين أنهما حضرا جنازة، فرأى محمد نساء، فرجع. فقال الحسن: لو تركنا الطاعة لأجل المعصية، لأسرع ذلك في ديننا. قلت: ليس هذا مما نحن بصدده، لأن حضور الرجال الجنازة طاعة، وليس بسبب لحضور النساء، فإنهن يحضرنها، حضر الرجال أو لم يحضروا. بخلاف سب الآلهة. وإنما خيل إلى ابن سيرين أنه مثله، حتى نبه عليه الحسن. انتهى.
ومنه قال بعض مفسري الزيدية: واعلم أن المعصية إن كانت حاصلة لا محالة، سواء فعل الحسن أم لا، لم يسقط الواجب، ولا يقبح الحسن. انتهى.
وكذا قال الخفاجي: إن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة، وكانت سببا لها، وجب تركها. بخلاف الطاعة في موضع فيه معصية، لا يمكن دفعها. وكثيرا ما يشتبهان. ولذا لم يحضر ابن سيرين جنازة اجتمع فيها الرجال والنساء، وخالفه الحسن للفرق بينهما. انتهى.
قال الرازيّ: وفي الآية تأديب لمن يدعو إلى الدين، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب، لأن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تضر ولا تنفع، يكفي في القدح في إلهيتها، فلا حاجة، مع ذلك، إلى شتمها.
كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم الماضية على الضلال عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ أي: بالبعث بعد الموت، فَيُنَبِّئُهُمْ أي: يخبرهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا. وذلك بالمحاسبة والمجازاة عليه.