على أبلغ وجه وأحسنه، ببيان صعوبة منالها، وعلو شأنها- أفاده أبو السعود-.
وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ قرئ أَنَّها بالكسر على الاستئناف، والمفعول الثاني محذوف، كأنه قيل: وما يدريكم إيمانهم؟ ثم أخبرهم بما علم منهم إخبارا ابتدائيا. أو هو جواب سؤال، كأنه قيل: لم وبّخوا؟ فقيل: لأنها إذا جاءت لا يؤمنون! أو هو مبني على قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ فإنه أبرز في معرض المحتمل، كأنه سأل عنه سؤال شاكّ، ثم علل بقوله ل أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ جزما بالطرف المخالف، وبيانا لكون الاستفهام غير جار على الحقيقة. وفيه إنكار لتصديق المؤمنين على وجه يتضمن إنكار صدق المشركين في المقسم عليه. وهذا نوع من السحر البيانيّ، لطيف المسلك، هذا على أن الخطاب للمؤمنين، إذ كانوا يتمنون مجيء الآية طمعا في إيمانهم. وقيل: هو للمشركين، لقراءة: لا تُؤْمِنُونَ، فيكون فيه التفات. وقرئ أنها بالفتح، وعليه فقيل: مقتضى حسن ظن المؤمنين بهؤلاء المعاندين، حذف (لا) . وتوضيح ذلك بالمثال أنه إذا قيل لك: أكرم زيدا يكافئك، قلت في إنكاره: ما أدراك أني إذا أكرمته يكافئني؟! فإن قيل: لا تكرمه فإنه لا يكافئك، قلت في إنكار: ما أدراك أنه لا يكافئني؟! تريد: وأنا أعلم منه المكافأة.
فمقتضى حسن ظن المؤمنين بالمشركين أن يقال: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، فإثبات (لا) يعكس المعنى، إلى أن المعلوم لك الثبوت، وأنت تنكر على من نفى.
وقد وجه الفتح بستة وجوه:
منها- جعل (لا) صلة، كقوله: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: ١٢] ، وقوله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء: ٩٥] أي:
يرجعون. وضعّف الزجاج هذا الوجه، بأن ما كان لغوا يكون كذلك على جميع التقديرات، وليس كذلك هنا، فإن (لا) على قراءة الكسر ليست بصلة. وأجاب الفارسيّ بأنه لم لا يجوز أن يكون لغوا على أحد التقديرين، ومفيدا على التقدير الثاني؟ انتهى.
ومنها- جعل أن بمعنى (لعل) . قال الخليل: تقول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا، أي لعلك. فكأنه تعالى قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. قال الواحدي: أن بمعنى (لعل) كثير في كلامهم، قال الشاعر:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا