للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالية، لأنه إنما يحسن فيما قصد الإعلام بتحققه البتة، والرد على منكر تحقيقا أو تقديرا (على ما بين في المعاني) ، والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير، كأنه قيل: لا تأكلوا منه إن كان فسقا، فلا يحسن (وإنه لفسق) بل (وهو فسق) وأجيب عن الأول بأنه دخل بقوله: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وبقوله:

وَإِنَّ الشَّياطِينَ ... إلخ الميتة، فيتحقق أن هذا النهي مخصوص بما ذبح على النصب، أو مات حتف أنفه. وعن الثاني بأنه لما كان المراد بالفسق هاهنا الإهلال لغير الله، كان التأكيد مناسبا، كأنه قيل: لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق، والمشركون ينكرونه- كذا في العناية-.

ومما يقويه أيضا قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ على أن المراد به الخروج عن طاعة الله تعالى، وهو وجه ثان فيه، وقوله تعالى: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ فإن من أكل الميتة، أو ما ذبح على النصب فسق، ومع الاستحلال يكفر، بخلاف ما ذبحه المسلم ولم يسمّ عليه، فإن آكله لا يفسق ولا يكفر إجماعا- أشار له الرازيّ- وحينئذ فلا دلالة في الآية على تحريم ذبيحة المسلم التي تركت التسمية عليها، عمدا أو سهوا.

وقد روى أبو داود في (مراسيله) عن الصلت السدوسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكره، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله.

قال الحافظ ابن كثير: وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطنيّ عن ابن عباس أنه قال: إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله، فليأكل، فإن المسلم في اسم من أسماء الله تعالى.

واحتج البيهقي أيضا بحديث عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم:

إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا، فقال: سموا عليه أنتم وكلوه. قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر- رواه البخاري «١»

والنسائيّ- قال: فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها. وكذا قال الخطابي: فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة، لأنها لو كانت شرطا لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة، فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا؟ وهذا هو المتبادر من سياق الحديث، حيث وقع


(١) أخرجه البخاري في: الذبائح والصيد، ٢١- باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، حديث ١٠٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>