على تمييز القرآن عن غيره، وهو مستلزم لذلك. وفيه نظر.
ومنها: ما تمسك به العلامة في «نهاية الأصول» ، والحاجبيّ في «مختصره» ، والعضديّ في «شرحه» من أن القراءات السبع «لو لم تكن متواترة لخرج بعض القرآن عن كونه متواترا- كما لك وملك وأشباههما- والتالي باطل فالمقدم مثله. بيان الشرطية أنهما وردا عن القراء السبعة، وليس تواتر أحدهما أولى من تواتر الآخر، فإمّا أن يكونا متواترين وهو المطلوب، أو لا يكون شيء منهما بمتواتر وهو باطل، وإلّا يخرج عن كونه قرآنا، وهذا خلف» . وأورد عليه جمال الدين الخونساريّ فقال: «لا يخفى أن دليل وجوب تواتر القرآن- وهو توفر الدواعي على نقله- لو تم إنّما يدل على وجوب تواتره إلى زمان الجمع. وأمّا بعده، فالظاهر أنهم اكتفوا فيه بتكثير نسخ هذا الكتاب الذي جمع، بحيث يصير متواترا في كل زمان، واستغنوا به عن جعل أصل القرآن المنزل متواترا بالحفظ من خارج، كيف وقد عرفت أن الظاهر أنه لم يقع التواتر في كثير من أبعاض القرآن إلّا بهذا الوجه، وهو وجوده في هذا الكتاب المتواتر، على هذا، فالاستدلال على تواتر القراءات السبع بما ذكره العضديّ ضعيف جدا، إذ بتواتر ذلك الكتاب- على الوجه المذكور- لا يعلم إلّا تواتر إحدى القراءات لا بعينها. لا خصوص بعضها ولا جميعها. فالظاهر أنه لا بد- في إثبات تواترها- من التفحص والتفتيش في نقلتها ورواتها، فإن ظهر بلوغهم إلى حد التواتر فهو متواتر وإلّا فلا. والذي ظهر لنا من خارج، شهرة القراءات السبع دون ما عداها، وأما بلوغ الجميع أو بعضها حد التواتر فكأنه لا يظهر في هذه الأعصار.
وللقول الثاني: على تواتر ما هو من جوهر اللفظ، الوجه الأخير الذي تمسّك به الجماعة المتقدم إليهم الإشارة لإثبات تواتر السبع، وعلى عدم تواتر ما هو من قبيل الهيأة- كالمدّ واللين والإمالة وغيرها- ما ذكره بعض من أنّ القرآن هو الكلام، وصفات الألفاظ- أعني الهيأة- ليست كلاما. وأورد عليه الباغنويّ فقال: «هاهنا بحث، وهو أنه لا شك أن القرآن هاهنا عبارة عن اللفظ. وكما أنّ الجوهر جزء ماديّ له، كذلك الهيأة جزء صوريّ له. فإذا ثبت أن القرآن لا بد أن يكون متواترا ثبت أن الهيأة لا بدّ أن تكون متواترة أيضا. ولو سلم أنّ الهيأة ليست جزءا للفظ فلا شك أنها من لوازمه. ولا يمكن نقله بدون نقلها، فإذا تواتر نقله تواتر نقلها. فإن قلت: نقله لا يستلزم نقلها بخصوصها بل إنما يستلزم نقل إحداهما لا بعينها، فاللازم تواتر القدر المشترك بين الهيئات، والظاهر أنّ الهيئات المخصوصة لا يوجب تواترها، فلا منافاة.
قلت: ما ذكر من توفر الدواعي على نقل القرآن لا يجري في الجواهر المخصوصة