للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن تيمية أيضا: قد يجيء كثير من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصا، كقولهم، إن آية الظهار، نزلت في امرأة ثابت ابن قيس وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله، وإن قوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ [المائدة: ٤٩] نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين.

فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أنّ حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق. والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه، فلم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ. والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته. وإن كانت خبرا بمدح أو ذم، فإنها متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته.

قال ابن تيمية أيضا: قولهم أنزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما نقول عنى بهذه الآية كذا. وقد تنازع العلماء في قول الصحابيّ: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله، أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ فالبخاريّ يدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه. وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح، كمسند أحمد، وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند.

وقال الزركشيّ في البرهان: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها. فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع. انتهى.

وقال المحقق أبو إسحاق الشاطبيّ في الموافقات: معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن. والدليل على ذلك أمران:

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال حال الخطاب من جهة نفس الخطاب أو المخاطب أو المخاطب أو الجميع. إذ الكلام الواحد

<<  <  ج: ص:  >  >>