للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أهل السنة- في قوله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا- إلى قوله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ. وتتمة الآية ردّ صراح على (طائفة الاعتزال) القائلين بأنّ الله تعالى شاء الهداية منهم أجمعين. فلم تقع من أكثرهم! ووجه الردّ: أن (لو) إذا دخلت على فعل مثبت نفته فيقتضي ذلك أن الله تعالى لما قال فَلَوْ شاءَ لم يكن الواقع أنه شاء هدايتهم. ولو شاءها لوقعت. فهذا تصريح ببطلان زعمهم ومحلّ عقدهم. فإذا ثبت اشتمال الآية على ردّ عقيدة الطائفتين المذكورتين- المجبرة في أوّلها والمعتزلة في آخرها- فاعلم أنها جامعة لعقيدة السنّة منطبقة عليها. فإن أوّلها- كما بيّنا- يثبت للعبد اختيارا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان، وآخرها يثبت نفوذ مشيئة الله في العبد، وأنّ جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية، خيرا أو غيره. وذلك عين عقيدتهم. فإنهم- كما يثبتون للعبد مشيئة وقدرة- يسلبون تأثيرها، ويعتقدون أن ثبوتهما قاطع لحجّته، ملزم له بالطاعة على وفق اختياره. ويثبتون نفوذ مشيئة الله أيضا وقدرته في أفعال عباده.

فهم- كما رأيت- تبع للكتاب العزيز: يثبتون ما أثبت، وينفون ما نفى، مؤيدون بالعقل والنقل. والله الموفق. انتهى.

وقد أخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قيل له: إن ناسا يقولون: ليس الشرّ بقدر.

فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [الأنعام:

١٤٨] ..- إلى قوله فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

وبتحقيق هذه الوجوه يسقط قول الطبرسي المعتزلي: لو كان الأمر على ما قاله أهل الجبر- من أن الله تعالى شاء منهم الكفر- لكانت الحجة للكفّار على الله، من حيث فعلوا ما شاء الله، ولكانوا بذلك مطيعين له. لأن الطاعة هي امتثال الأمر المراد، ولا تكون الحجة لله عليهم على قولهم، من حيث إنه خلق فيهم الكفر وأراد منهم الكفر. فأيّ حجّة له عليهم مع ذلك؟ انتهى.

وكذا قول الزمخشري: ما حكي عن المشركين كمذهب المجبرة بعينه. ولذا قال النحرير: نعم! هو كمذهبهم في كون كلّ كائن بمشيئة الله. لكن الكفرة يحتجّون بذلك على حقية الإشراك وتحريم الحلال وسائر ما يرتكبون من القبائح.

وكونها ليست بمعصية لكونها موافقة للمشيئة التي تساوي معنى الأمر، على ما هو مذهب القدرية: من عدم التفرقة بين المأمور والمراد، وأنّ كلّ ما هو مراد لله فهو ليس بمعصية منهي عنها. والمجبرة- وإن اعتقدوا أن الكلّ بمشيئة الله- لكنهم يعتقدون أن الشرك وجميع القبائح معصية ومخالفة للأمر يلحقها العذاب بحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>