للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرة الله. واستحسن ابن عقيل هذا الكلام من أحمد غاية الاستحسان وقال: إنه شفى بهذه الكلمة وأفصح بها عن حقيقة القدر.

ولهذا، كان المنكرون للقدر فرقتين: فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته، وهم غلاتهم الذين كفّرهم السلف والأئمة وتبرّأ منهم الصحابة. وفرقة جحدت كمال القدرة، وأنكرت أن تكون أفعال العباد مقدورة لله تعالى، وصرّحت بأنّ الله لا يقدر عليها. فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب، وأنكرت الأخرى كمال علمه. وقابلهم الجبرية: فجاءت على إثبات القدرة والعلم، وأنكرت الحكمة والرحمة.

ولهذا، كان مصدر الخلق والأمر والقضاء والشرع عن علم الربّ وعزته وحكمته. ولهذا يقرن تعالى بين الاسمين والصفتين من هذه الثلاثة كثيرا، كقوله:

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل: ٦] ، وقال: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر: ٢] ، وقال: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجاثية: ٢] ، وقال في (حم فصّلت، بعد ذكر تخليق العالم) : ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت: ١٢] ، وذكر نظير هذا في (الأنعام) فقال: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام: ٩٦] . فارتباط الخلق بقدرته التامة يقتضي أن لا يخرج موجود عن قدرته.

وارتباطه بعلمه التام يقتضي إحاطته به وتقدّمه عليه. وارتباطه بحكمته يقتضي وقوعه على أكمل الوجوه وأحسنها، واشتماله على الغاية المحمودة المطلوبة للربّ سبحانه. وكذلك أمره بعلمه وحكمته وعزته، فهو عليم بخلقه وأمره، حكيم في خلقه وأمره. ولهذا، كان (الحكيم) من أسمائه الحسنى. فالحكمة من صفاته العلى، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة. والحكمة هي سنة الرسول، وهي تتضمّن العلم بالحق والعمل به والخبر عنه والأمر به. فكلّ هذا يسمّى حكمة.

وفي الأثر «١» : الحكمة ضالّة المؤمن.

وفي الحديث «٢» : «إنّ من الشعر حكمة» .

فكما لا يخرج مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته، فهكذا لا يخرج عن حكمته وحمده. وهو محمود على جميع ما في


(١)
أخرجه الترمذي في: العلم، ١٩- باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحكمة ضالة المؤمن. فحيث وجدها، فهو أحق بها» .
(٢)
أخرجه البخاري في: الأدب، ٩٠- باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداد وما يكره منه، حديث ٢٣٥٣، عن أبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن من الشعر حكمة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>