المقصد الأعلى منه، وما وراء هذا من المباحث تابع له، أو وسيلة لتحصيله.
التفسير له وجوه شتّى:
أحدها: النظر في أساليب الكتاب ومعانيه وما اشتمل عليه من أنواع البلاغة ليعرف به علوّ الكتاب، وامتيازه على غيره من القول. سلك هذا المسلك الزمخشريّ، وقد ألمّ بشيء من المقاصد الأخرى، ونحا نحوه آخرون.
ثانيها: الإعراب، وقد اعتنى بهذا أقوام توسّعوا في بيان وجوهه، وما تحتمله الألفاظ منها.
ثالثها: تتبّع القصص، وقد سلك هذا المسلك أقوام زادوا في قصص القرآن ما شاؤوا من كتب التاريخ، والإسرائيليات، ولم يعتمدوا على التوراة والإنجيل والكتب المعتمدة عند أهل الكتاب وغيرهم، بل أخذوا جميع ما سمعوه عنهم من غير تفريق بين غث وسمين، ولا تنقيح لما يخالف الشرع ولا يطابق العقل.
رابعها: غريب القرآن.
خامسها: الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، والاستنباط منها.
سادسها: الكلام في أصول العقائد، ومقارعة الزائغين، ومحاجّة المختلفين.
وللإمام الرازيّ العناية الكبرى بهذا النوع.
سابعها: المواعظ والرقائق، وقد مزجها، الذين ولعوا بها، بحكايات المتصوفة والعبّاد. وخرجوا ببعض ذلك عن حدود الفضائل والآداب التي وضعها القرآن.
ثامنها: ما يسمّونه بالإشارة، وقد اشتبه على الناس فيه كلام الباطنية بكلام الصوفية.
وقد عرفت أنّ الإكثار في مقصد خاص من هذه المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهيّ، ويذهب بهم في مذاهب تنسيهم معناه الحقيقيّ. لهذا كان الذي نعنى به من التفسير هو ما سبق ذكره، ويتبعه بلا ريب بيان وجوه البلاغة بقدر ما يحتمله المعنى، وتحقيق الإعراب على الوجه الذي يليق بفصاحة القرآن وبلاغته.
ويمكن أن يقول بعض أهل هذا العصر: لا حاجة إلى التفسير والنظر في القرآن، لأن الأئمة السابقين نظروا في الكتاب والسنة، واستنبطوا الأحكام منهما، فما