اليتيم بالذكر، لكونه لا يدفع عن نفسه ولا عن ماله هو ولا غيره. فكانت الأطماع في ماله أشد. فعزم في النهي عنه لأنه حماه ومقدمته، وأمر بتنميته. حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
أي قوته التي يقدر بها على حفظه واستنمائه، وهذا غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهي، كأنه قيل: احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا. فحينئذ سلموه إليه كما في قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ. والأشد جمع (شدة) كنعمة وأنعم، أو شدّ ككلب وأكلب، أو شد كصرّ وآصر. وقيل هو مفرد كآنك وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
أي بالعدل والتسوية في الأخذ والإعطاء. وقد توعد تعالى على تركه في قوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين: ١- ٦] .
قال ابن كثير: وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال.
روى الترمذيّ «١» عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لأصحاب الكيل والميزان) : إنكم وليتم أمرين هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم.
ثم ضعفه وصحح وقفه على ابن عباس. وروى نحوه ابن مردويه مرفوعا، ولفظه: إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين، بهما هلكت القرون المتقدمة: المكيال والميزان.
لا نُكَلِّفُ نَفْساً
أي: عند الكيل والوزن إِلَّا وُسْعَها
أي: جهدها بالعدل.
وهذا الاعتراض جيء به عقيب الأمر بالعدل، لبيان أن مراعاة الحدّ من القسط، الذي لا زيادة فيه ولا نقصان، مما يجري فيه الحرج، لصعوبة رعايته. فأمر ببلوغ الوسع، وأن الذي ما وراءه معفوّ عنه.
وقد روى ابن مردويه عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
: من أوفى على يده في الكيل والميزان، والله أعلم بصحة نيته بالوفاء فيهما، لم يؤاخذ» .
قال ابن المسيّب: وذلك تأويل (وسعها) قال ابن كثير: هذا مرسل غريب.
وفي (العناية) : يحتمل رجوع قوله تعالى: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
إلى ما تقدم. أي جميع ما كلفناكم ممكن، ونحن لا نكلف ما لا يطاق. انتهى. والأول
(١) أخرجه الترمذي في: البيوع، ٩- باب ما جاء في المكيال والميزان.