للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تاب من معصية عند ظهور هذه الآية، فلا يقبل منه. لأنه حالة اضطرار. كما لو أرسل الله عذابا على أمة فآمنوا وصدقوا. فإنهم لا ينفعهم إيمانهم ذلك، لمعاينتهم الأهوال والشدائد، التي تضطرهم إلى الإيمان والتوبة.

وقال ابن كثير: إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لم يقبل منه. فأما من كان مؤمنا قبل ذلك، فإن كان مصلحا في عمله، فهو بخير عظيم. وإن لم يكن مصلحا، فأحدث توبة حينئذ، لم تقبل منه توبته. كما دلت عليه الأحاديث. وعليه يحمل قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً أي: لا يقبل منها كسب عمل صالح، إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك. انتهى.

والأحاديث المشار إليها، منها ما

رواه (مسلم) «١» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

وروى (الترمذيّ) «٢» وصححه عن صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب من قبل المغرب مسيرة عرضه (أو قال يسير الراكب في عرضه) أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض. مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه.

ولأبي داود «٣» والنسائي من حديث معاوية رفعه: لا تزال تقبل التوبة


(١) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٢.
(٢)
أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، ٩٨- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده ونصه: عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المراديّ أسأله المسح على الخفين.
فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. فقلت: إنه حاكّ في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم. فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟ قال: نعم. كان يأمرنا إذا كنا سفرا (أو مسافرين) أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهنّ إلا من جنابة. لكن من غائط وبول ونوم.
فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال: نعم. كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر، فبينا نحن عنده ناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ: يا محمد! فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته «هاؤم» .
وقلنا له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد نهيت عن هذا. فقال: والله، لا أغضض. قال الأعرابيّ: المرء يحب القوم ولمّا يلحق بهم؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب يوم القيامة» . فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة سبعين عاما، عرضه (أو يسير الراكب في عرضه) أربعين أو سبعين عاما.
قال سفيان (أحد رجال السند) : قيل: الشام. خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا.
(يعني للتوبة) لا يغلق حتى تطلع الشمس منه
. قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(٣)
أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٢- باب في الهجرة هل انقطعت؟ حديث رقم ٢٤٧٩ ونصه: عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>