للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمين، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. ثم قرأ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً [الكهف: ١٠٥] .

وفي مناقب عبد الله بن مسعود، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتعجبون من دقة ساقيه؟

والذي نفسي بيده! لهما في الميزان أثقل من أحد» «١» .

قال الحافظ ابن كثير: وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار، بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة يوزن محلها، وتارة يوزن فاعلها. والله أعلم- انتهى.

قال أبو السعود: وقيل: الوزن عبارة عن القضاء السوي، والحكم العادل. وبه قال مجاهد والأعمش والضحاك، واختاره كثير من المتأخرين، بناء على أن استعمال لفظ الوزن في هذا المعنى شائع في اللغة والعرف بطريق الكناية. قالوا: إن الميزان إنما يراد به التوصل إلى معرفة مقادير الشيء. ومقادير أعمال العباد لا يمكن إظهارها بذلك، لأنها أعراض قد فنيت. وعلى تقدير بقائها، لا تقبل الوزن- انتهى- وأصله للرازي.

قال في (العناية) : فمنهم من أوّل الوزن بأنه بمعنى القضاء والحكم العدل، أو مقابلتها بجزائها. من قولهم: وازنه، إذا عادله. وهو إما كناية أو استعارة. بتشبيه ذلك بالوزن المتصف بالخفة والثقل، بمعنى الكثرة والقلة. والمشهور من مذهب أهل السنة أنه حقيقة بمعناه المعروف انتهى.

فإن جمهور الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل.

قال في (فتح البيان) : وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فلم يأتوا في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه. بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية، وليس في ذلك حجة لأحد. فهذا إذا لم تقبله عقولهم، فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم: من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى جاءت البدع كالليل المظلم، وقال كلّ ما شاء، وتركوا الشرع خلف ظهورهم. وليتهم جاءوا


(١)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ١/ ٤٢٠ والحديث رقم ٣٩٩١ ونصه: عن زرّ بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الأراك. وكان دقيق الساقين. فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «مم تضحكون» ؟ قالوا: يا نبيّ الله، من دقة ساقيه. فقال «والذي نفسي بيده! لهما أثقل في الميزان من أحد»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>