إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ- أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...
[الأحزاب: ٣٦] الآية- وأيّ أصل أقوى من أمر الله تعالى لإبليس بالسجود، وهو العالم بما خلق منه آدم، وما خلق منه إبليس، ثم أمره بالسجود له فأبى واستكبر لعلة ليست بمانعة من أن يأمره الله بما يشاء، فهذا ومثله لا يحلّ ولا يجوز. وأما القياس على الأصول، والحكم للشيء بحكم نظيره، فهذا ما لا يختلف فيه أحد من السلف، بل كل من روي عنه ذم القياس قد وجد له القياس الصحيح منصوصا. لا يدفع هذا إلا جاهل أو متجاهل، مخالف للسلف في الأحكام.
وقال مسروق الوراق:
كنّا من الدين قبل اليوم في سعة ... حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إذ قلّت مكاسبهم ... فاستعملوا الرأي عند الفقر والبوس
أما العريب فقوم لا عطاء لهم ... وفي الموالي علامات المفاليس
فلقيه أبو حنيفة فقال: هجوتنا. نحن نرضيك. فبعث إليه بدراهم فقال:
إذا ما أهل مصر بادهونا ... بآبدة من الفتيا لطيفه
أتيناهم بمقياس صحيح ... صليب من طراز أبي حنيفه
إذا سمع الفقيه به وعاه ... وأثبته بحبر في صحيفة
قال ابن عبد البر: اتصلت هذه الأبيات ببعض أهل الحديث والنظر من أهل ذلك الزمن، فقال:
إذا ذو الرأي خاصم عن قياس ... وجاء ببدعة منه سخيفة
أتيناهم بقول الله فيها ... وآثار مبرّزة شريفه
هكذا حكاه ابن عبد البر في (جامع فضل العلم) . وله فيه في (باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والقياس على غير أصل) مقالات سابغة جديرة بالمراجعة.
ومما ذكر فيه: أن أهل الحديث أفرطوا في أبي حنيفة، وتجاوزوا الحدّ. قال:
والسبب الموجب لذلك، عندهم، إدخاله الرأي والقياس على الآثار، واعتبارهما.
وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الأثر بطل النظر. وكان ردّه لما ردّ من أخبار الآحاد بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدمه إليه غيره، وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي: