فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، والمسافر، طلبا لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبه الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلّل، فتخور القوة وتضعف، فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها. وقال في آية الحج: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: ١٩٦] . فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل أو حكة أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، وإذا حلق رأسه تفتحت المسامات فخرجت تلك الأبخرة منها. فهذا الاستفراغ يقاس عليه استفراغ يؤذي انحباسه. والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمني إذا سبغ، والبول والغائط والريح والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش.
وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه. وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه، كما هي طريقة القرآن، التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية، فقال في آية الوضوء: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:
٤٣] ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه. وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له، من داخل أو خارج. فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب، ومجامع قواعده.
ونحن نذكر هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي.
فأما طب القلوب، فمسلّم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم، وعلى أيديهم. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابّه، متجنبة لمناهيه ومساخطه.
ولا صحة لها ولا حياة لها البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل. وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم، فغلط ممن يظن ذلك.
وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها. وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل. ومن لم يميز بين هذا وبين هذا، فليبك على حياة قلبه، فإنه من