وبالجملة: فلما ثبت أن حده القتل بقي الاجتهاد في هيئته حرقا أو تردية أو غيرهما.
وقال بعض المحققين: إن كان اللواط مما يصح اندراجه تحت عموم أدلة الزنى فهو مخصص بما ورد فيه من القتل لكل فاعل، محصنا أو غيره. وإن كان غير داخل تحت أدلة الزنى، ففي أدلته الخاصة له ما يشفي ويكفي- انتهى-.
وقال الإمام الجشمي اليمني: لو كان في اللواط حد معلوم لما خفي على الصحابة، حتى شاورهم في ذلك أبو بكر رضي الله عنه، لمّا كتب إليه خالد بن الوليد.
وقال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) : لم يثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قضى في اللواط بشيء، لأن هذا لم تكن تعرفه العرب، ولم يرفع إليه صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ثبت عنه أنه قال:
اقتلوا الفاعل والمفعول به- رواه أهل السنن الأربعة وإسناده صحيح- وقال الترمذي: حديث حسن، وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد، بعد مشاورة الصحابة، وكان علي كرم الله وجهه أشدهم في ذلك.
وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله. فقال أبو بكر الصديق: يرمى من شاهق.
وقال عليّ كرم الله وجه: يهدم عليه حائط
. وقال ابن عباس: يقتلان بالحجارة. فهذا اتفاق منهم على قتله، وإن اختلفوا في كيفيته. وهذا موافق لحكمه صلّى الله عليه وسلّم فيمن وطئ ذات محرم، لأن الوطء في الموضعين لا يباح للواطئ بحال. ولهذا جمع بينهما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه
روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه.
وروي أيضا عنه: من وقع على ذات رحم فاقتلوه.
وفي حديثه «١» أيضا بالإسناد: من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه.
وهذا الحكم على وفق حكم الشارع، فإن المحرمات كلما تغلظت، تغلظت عقوبتها. ووطء من لا يباح بحال أعظم جرما من وطء من يباح في بعض الأحوال، فيكون حده أغلظ. وقد نص أحمد في إحدى الروايتين عنه، أن حكم من أتى بهيمة حكم اللواط سواء، فيقتل بكل حال، أو يكون حدّه حدّ الزاني. واختلف السلف في ذلك، فقال الحسن: حدّه حد الزاني. وقال أبو سلمة: يقتل بكل حال. وقال الشعبي والنخعي: يعزّر، وبه أخذ الشافعي
(١) أخرجه الترمذي في: الحدود، ٢٣- باب ما جاء فيمن يقع على بهيمة.