في خطبة خطبها: والله! لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله.
وقال في حديث آخر: والذي لا إله غيره! ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني، تبلغه الإبل، لركبت إليه «١» . وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالما بالقرآن.
وعن الحسن أنه قال: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيما أنزلت، وما أراد بها. وهو نص في الموضع مشير إلى التحريض على تعلم علم الأسباب.
وعن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن شيء من القرآن، فقال: اتق الله وعليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن. وعلى الجملة فهو ظاهر بالمزاولة لعلم التفسير. انتهى.
وقال ولي الله الدهلويّ في الفوز الكبير: ومن المواضع الصعبة معرفة أسباب النزول. ووجه الصعوبة فيها خلاف المتقدمين والمتأخرين. والذي يظهر من استقراء كلام الصحابة والتابعين، أنهم لا يستعملون «نزلت في كذا» لمحض قصة كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، وهي سبب نزول الآية. بل ربما يذكرون بعض ما صدقت عليه الآية مما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، أو بعده صلى الله عليه وسلم. ويقولون:«نزلت في كذا» ولا يلزم هناك انطباق جميع القيود، بل يكفي انطباق أصل الحكم فقط. وقد يقررون حادثة تحققت في تلك الأيام المباركة، واستنبط صلى الله عليه وسلم حكمها من آية، وتلاها في ذلك الباب، ويقولون:«نزلت في كذا» وربما يقولون: في هذه الصورة، فأنزل الله قوله كذا، فكأنه إشارة إلى أنه استنباطه صلى الله عليه وسلم. وإلقاؤها في تلك الساعة بخاطره المبارك أيضا، نوع من الوحي والنفث في الروع. فلذلك يمكن أن يقال: فأنزلت، ويمكن أن يعبر في هذه الصورة بتكرار النزول. ويذكر المحدثون في ذيل آيات القرآن كثيرا من الأشياء ليست من قسم سبب النزول في الحقيقة. مثل استشهاد الصحابة في مناظراتهم بآية، أو تمثيلهم بآية، أو تلاوته صلى الله عليه وسلم آية للاستشهاد في كلامه الشريف، أو رواية حديث وافق الآية في أصل الغرض، أو تعيين موضع النزول، أو تعيين أسماء
(١) أخرجه البخاري: قال عبد الله رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره! ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين أنزلت. ولا أنزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت. ولو أعلم أحدا أعلم منبي بكتاب الله، تبلغه الإبل، لركبت إليه.