والمعلق على الممكن ممكن، لأن معنى التعليق الإخبار بوقوع المعلق عند وقوع المعلق به. والمحال لا يثبت على شيء من التقادير الممكنة.
وأما زعم المعتزلة أن الرؤية مجاز عن العلم الضروري، فمعنى قوله أَرِنِي أي: اجعلني عالما بك علما ضروريا- خلاف الظاهر. فإن النظر الموصول ب (إلى) نص في الرّؤية البصرية فلا يترك بالاحتمال، مع أن طلب العلم الضروريّ لمن يخاطبه ويناجيه غير معقول. وكذا زعمهم أن موسى عليه السلام، كان سألها لقومه حيث قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] ، فسأل ليعلموا امتناعها- فإنه خلاف الظاهر، وتكلّف يذهب رونق النظم، فترده ألفاظ الآية. وقد ثبت وقوع رؤيته تعالى في الآخرة، بالكتاب والسنة، أما الكتاب فلقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وأما السنة فلا تحصى أحاديثها ولكن إذا أصيب أحد بداء المكابرة في الحق الصراح، عسر إقناعه مهما قوي الدليل وعظمت الحجة.
قال في فتح البيان: رؤيته تعالى في الآخرة، ثبتت بها الأحاديث المتواترة تواترا لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة. والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة. ومنهج الحق واضح. ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه، وأدرك عليه أباه، وأهل بلده، مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة- يوقع في التعصب. والمتعصب، وإن كان بصره صحيحا، فبصيرته عمياء، وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق، غفلة منه، وجهلا بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح، وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم. وما أقل المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع، فإنه صار بها باب الحق مرتجّا، وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله سبحانه والهداية:
يأبى الفتى إلا اتّباع الهوى ... ومنهج الحقّ له واضح
- انتهى-.
وهذا تعريض بالمعتزلة، وفي مقدمتهم الزمخشري. وقد انتقل، عفا الله عنه، أخيرا إلى هجاء أهل السنة بما أنشده:
لجماعة سمّوا هواهم سنة ... وجماعة حمر لعمري موكفه
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا ... شنع الورى فتستّروا بالبلكفه