وزيد بن عليّ هنا (لمن أساء) فعل ماض من (الإساءة) ، وفي طيه أن ما أصاب قومه من الرجفة هو من عذابه تعالى، الذي شاء إصابتهم به لأفاعيلهم. وثانيا إنه لا يستأهل كتابة الحسنتين إلا المتقون المتصدقون المؤمنون بالآيات، والمتبعون للنبيّ الأميّ، فمن استقام على هذه الشرائط، كتب له ذلك، ولا يقال- على هذا- كيف يتبعونه ولم يدركوا زمنه؟ لأنا نقول الاتباع أعم من الاتباع (بالقوة) ، وذلك بالإيمان به إجمالا، حسبما أشار له الكتابان لمن تقدم موته على زمن بعثته، وإما (بالفعل) لمن لحق زمان بعثته. وفيه تبشير لموسى بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتعريف له بشأنه، وإعلام بشأنه، بأن كتابة الرحمة موقوفة على اتباعه. وعليه فيكون قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ بدلا من الموصول الأول، بدل الكل. أو منصوب على المدح، أو مرفوع عليه. أي: أعني الذين، أو هم الذين.
وقال بعضهم: إن جواب موسى ينتهى إلي قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ وما بعده مستأنف، فكأنه تعالى أعلم موسى بأنه ذو عذاب، يصيب به من يشاء، كما أصاب أصحاب الرجفة، وذو رحمة واسعة، تكتب للمتقين المتصدقين المؤمنين بالآيات، أي فأمر قومك بأن يكونوا من الفريق المرحوم بالمشي على هذا الوصف المرقوم. ثم استأنف تعالى الإخبار عمّن يتبع النبيّ الأمي بأنهم المفلحون حقّا، وعليه فيكون قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مبتدأ خبره أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وتكون القصة استتبعت أعقاب بني إسرائيل، بأنهم إذا اتبعوا النبيّ الأمي، كانوا هم المفلحين.
وجوز بعضهم أن يكون قوله تعالى: قالَ عَذابِي ارتجال خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قصد به إعلام أهل الكتاب المعاصرين له، صلى الله عليه وسلّم بأنهم إذا اتبعوه وآمنوا به وصدقوه، حقت لهم رحمته تعالى الواسعة، وإلا فلا يأمنوا أن يصابوا بانتقامه تعالى، كما جرى لأسلافهم. وفي ذلك كله من التنويه بشأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه المتقين، ما لا يخفى.
الثاني- تطلق الرحمة على التعطف والمغفرة والإحسان- هذا ما ذكر في اللغة.
وعني أن القرآن الكريم قد تطلق فيه على الجنة، كما قال تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان: ٣١] ، بدليل المقابلة بقوله: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان: ٣١] ، فلعل الرحمة في قوله تعالى هنا: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ بمعنى الجنة، بدليل مقابلتها بالعذاب قبل. والله أعلم.