على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنونا مطبقا مصطلما لا يفهم شيئا، ما يحلف إلا به، ولا يلهج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة.
قال التقي ابن تيمية: إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس. وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته، حتى يحتاج إلى نظر يحصل له به المعرفة وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار أن المعرفة تحصل بالضرورة، وقد تحصل بالنظر لمن فسدت فطرته، كما اعترف بذلك خلائق من أئمة المتكلمين.
وقال أيضا: ذهب طوائف من النظار إلى أن معرفة الله واجبة، ولا طريق لها إلا بالنظر فأوجبوا النظر على كل أحد. وهذا القول إنما اشتهر في الأمة عن المعتزلة ونحوهم. ولهذا قال أبو جعفر السمناني وغيره: إيجاب الأشعري النظر في المعرفة بقية بقيت عليه من الاعتزال.
وذكر رحمه الله أن الذي يدل عليه كلامه الأئمة والسلف- وهو أعدل الأقوال- أن النظر يجب في حال دون حال، وعلى شخص دون شخص. فوجوبه من العوارض التي تجب على بعض الناس في بعض الأحوال، لا من اللوازم العامة. والذين أوجبوا النظر ليس معهم ما يدل على عموم وجوبه، إنما يدل على أنه قد يجب، كقوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يونس: ١٠١] . وقوله فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق: ٥] ، فإنه خطاب مع المتكبرين الجاحدين، أمروا بالنظر، ليعرفوا الحق، ويقرّوا به، ولا ريب أن النظر يجب على هؤلاء.
قال أبو حيّان التوحيدي في (مقابساته) في المقابسة الثانية والأربعين: قيل لأبي الخير: حدثنا عن معرفة الله، تقدس وعلا، ضرورة هي أم استدلال؟ فإن المتكلمين في هذا اختلفوا اختلافا شديدا، وتنابذوا عليه تنابذا بعيدا، ونحب أن يحصل لنا جواب، فيفسر على حد الاختصار مع البيان.
فقال: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحسّ. ولما كان كل مطلوب من العلم إما أن يطلب بالعقل في المعقول، أو بالحس في المحسوس، ساغ أن يظن مرة أن معرفته تعالى اكتساب واستدلال، لأن الحسن يتصفح ويستقوي بمؤازرة العقل ومظاهرته وتحصيله. وأن يظن تارة أنها ضرورة، فإن العقل السليم من الآفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تقدس اسمه، ويحظر على صاحبه جحده وإنكاره والتشكك فيه لكن ضرورة لائقة بالعقل. لأن ضرورة العقل ليست