وقد تطرف بعض المفسرين هنا لمسألة شهيرة. وهي: هل يجوز أن يقال: أنا مؤمن حقا.
قال الطوسي في (نقد المحصل) : المعتزلة ومن تبعهم يقولون: اليقين لا يحتمل الشك والزوال. فقول القائل:(أنا مؤمن إن شاء الله) لا يصح إلا عند الشك، أو خوف الزوال. وما يوهم أحدهما لا يجوز أن يقال للتبرك. انتهى.
والغزاليّ في الإحياء، بسط هذه المسألة، وأجاب عمن سوّغ ذلك بأجوبة:
منها: التخوف من الخاتمة، لأن الإيمان موقوف على سلامة الخاتمة.
ومنها: الاحتراز من تزكية النفس.
ومنها: غير ذلك. انظره بطوله.
وقال ابن حزم في (الفصل) : القول عندنا في هذه المسألة أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه، فإن كان يدري أنه مصدّق بالله عز وجل، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وبكل ما أتى به، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك، فواجب عليه أن يعترف بذلك، كما أمر تعالى في قوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: ١١] . ولا نعمة أوكد ولا أفضل، ولا أولى بالشكر، من نعمة الإسلام. فواجب عليه أن يقول: أنا مؤمن مسلم قطعا عند الله تعالى، في وقتي هذا. ولا فرق بين قوله (أنا مؤمن مسلم) وبين قوله (أنا أسود أو أنا أبيض) وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها. وليس هذا من باب الامتداح والعجب في شيء، لأنه فرض عليه أن يحقن دمه بشهادة التوحيد. وقول ابن مسعود:(أنا مؤمن إن شاء الله) عندنا صحيح، لأن الإسلام والإيمان اسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة، إلى جميع البر والطاعات. فإنما منع ابن مسعود الجزم على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات، وهذا صحيح. ومن ادعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك. وما منع أن يقول المرء (إنّي مؤمن) بمعنى (مصدق) .
وأما قول المانعين:(من قال أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة) فالجواب: إنا نقول إن متنا على ما نحن عليه الآن، فلا بد لنا من الجنة بلا شك. وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن والسنن والإجماع، أن من آمن بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبكل ما جاء به، ولم يأت بما هو كفر، فإنه في الجنة إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا، ولا نأمن مكر الله تعالى، ولا إضلاله، ولا كيد الشيطان ولا ندري ماذا نكسب غدا، ونعوذ بالله من الخذلان. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله، ولقد أجاد فيما أفاد.