للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني- قال الزمخشري: وعن السدّي (بآلاف من الملائكة) - على الجمع- ليوافق ما في سورة آل عمران. فإن قلت: فيم يعتذر لمن قرأ على التوحيد، ولم يفسر (المردفين) بإرداف الملائكة ملائكة آخرين، و (المردفين) بارتدافهم غيرهم؟

قلت: بأن المراد بالألف، من قاتل منهم، أو الوجوه منهم، الذين من سواهم أتباع لهم. انتهى.

وقال شمس الدين ابن القيّم في (زاد المعاد) في بحث غزوة بدر:

فإن قيل: هاهنا ذكر أنه أمدهم بألف، وفي سورة آل عمران قال: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران: ١٢٤- ١٢٥] ، فكيف الجمع بينهما؟

قيل: اختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلاف، والذي بخمسة، على قولين:

أحدهما: أنه كان يوم (أحد) . وكان إمدادا معلقا على شرط، فلما فات شرطه، فات الإمداد. وهذا قول الضحاك ومقاتل. وإحدى الروايتين عن عكرمة.

والثاني: أنه كان يوم بدر، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. والرواية الأخرى عن عكرمة واختاره جماعة من المفسرين. وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك.

فإنه سبحانه قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا، إلى أن قال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي هذا الإمداد إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ [آل عمران: ١٢٣- ١٢٦] . قال هؤلاء: فلما استغاثوا، أمدهم بألف، ثم أمدهم بتمام ثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف، لما صبروا واتقوا. وكان هذا التدريج، ومتابعة الإمداد، أحسن موقعا، وأقوى لتقويتهم وأسرّ لها من أن يأتي مرة واحدة، وهو بمنزلة متابعة الوحي، ونزوله مرة بعد مرة.

وقالت الفرقة الأولى: القصة في سياق (أحد) وإنما أدخل ذكر (بدر) اعتراضا في أثنائها، فإنه سبحانه قال: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران: ١٢١- ١٢٢] ، ثم قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فذكره نعمه عليهم، لما نصرهم ببدر وهم أذلة، ثم عاد إلى قصة (أحد) ، وأخبر عن قول رسوله لهم أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>