شيء واحد، حتى يقال:(المنفيّ على وجه الخلق، والمثبت على وجه المباشرة) ولو كان المقصود هذا لما ثبت المطلوب بها، الذي هو سبب النزول، من أنه أثبت له الرمي، لصدوره عنه، ونفى عنه، لأن أثره ليس في طاقة البشر، ولذا عدت معجزة له، حتى كأنه لا مدخل له فيها أصلا. فمبنى الكلام على المبالغة، ولا يلزم منه عدم مطابقته للواقع، لأن معناه الحقيقي غير مقصود. هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام، إذ لو كان المراد ما ذكر، لم يكن مخصوصا بهذا الرمي، لأن جميع أفعال العباد كذلك بمباشرتهم وخلق الله. انتهى.
وهذا التحقيق جيد، وقد نبه عليه أيضا العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) حيث قال: وقد ظنت طائفة أن الآية دلت على نفي الفعل عن العبد وإثباته لله، وأنه هو الفاعل حقيقة، وهذا غلط منهم من وجوه عديدة، مذكورة في غير هذا الموضع.
ومعنى الآية: أن الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداء الرمي، ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميه، فالرمي يراد به الحذف والإيصال، فأثبت لنبيه الحذف، ونفى عنه الإيصال. انتهى.
وقوله تعالى: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ أي ليمنحهم من فضله بَلاءً حَسَناً أي منحا جميلا، بالنصر والغنيمة والفتح، ثم بالأجر والمثوبة، غير مشوب بمقاساة الشدائد والمكاره، فيعرفوا حقه ويشكروه.
قال أبو السعود: واللام، إما متعلقة بمحذوف متأخر، فالواو اعتراضية، أي وللإحسان إليهم بالنصر والغنيمة، فعل ما فعل، لا لشيء غير ذلك، مما لا يجديهم نفعا. وإما، برمي، فالواو للعطف على علة محذوفة، أي ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلي ... إلخ. وتفسير البلاء هنا بالمنحة هو ما اختاره المحققون من قولهم:(أبلاه الله ببلية إبلاء حسنا) إذا صنع به صنعا جميلا، وأبلاه معروفا، قال زهير (في قصيدته التي مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التّعانيق والثّقل
والتعانيق والثقل: مواضع) :
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
(أي إحسان فعلهما بكم. فأبلاهما خير البلاء، أي صنع الله إليهما خير الصنيع الذي يبتلي به عباده. والإنسان يبلى بالخير والشر) أي صنع بهما خير