للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أخرى عنه قال: لما نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ شق ذلك على المسلمين، فنزلت الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ... الآية- فلما خفف الله عنهم من العدة، نقص عنهم من الصبر، بقدر ما خفف عنهم.

قال في (اللباب) : فظاهر هذا أن قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ناسخ لما تقدم في الآية الأولى، وكان هذا الؤمر يوم بدر. فرض الله سبحانه وتعالى على الرجل الواحد من المسلمين قتال عشرة من الكافرين، فثقل ذلك على المؤمنين، فنزلت الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ- أيها المؤمنون- وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً يعني في قتال الواحد للعشرة، فإن تكن منكم مائة صابرة محتسبة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله. فردّ العشرة إلى الاثنين. فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفروا. فأيما رجل فرّ من ثلاثة فلم يفر، ومن فر من اثنين فقد فرّ. انتهى.

قال في (العناية) : وذهب مكيّ إلى أنها مخففة لا ناسخة، كتخفيف الفطر للمسافر. وثمرة الخلاف أنه لو قاتل واحد عشرة، فقتل، هل يأثم أو لا؟ فعلى الأول يأثم، وعلى الثاني لا يأثم.

وقال الرازي: أنكر أبو مسلم الأصفهاني دعوى النسخ في الآية، وقال: الأمر الذي فهم من الآية مشروط بكون العشرين قادرين على الصبر، أي إن حصل منكم عشرون موصوفون بالصبر على مقاومة المائتين، فليشتغلوا بمقاومتهم. ثم دل قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ على أن ذلك الشرط غير حاصل منهم، فلم يكن التكليف لازما عليهم. وبالجملة، فالآية الأولى دلت على ثبوت حكم عند شرط مخصوص، والثانية دلت على أن ذلك الشرط مفقود في حق هؤلاء الجماعة، فلم يثبت ذلك الحكم. وعلى هذا فلا نسخ، ولا يقال إن قوله تعالى الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ مشعر بأن هذا التكليف كان متوجها عليهم قبله، لأن لفظ التخفيف لا يستلزم الدلالة على حصول التثقيل قبله، لأن عادة العرب الرخصة بمثل هذا الكلام، كقوله تعالى في ترخيصه للحرّ في نكاح الأمة يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء: ٢٨] وليس هناك نسخ، وإنما هو إطلاق نكاح الأمة لمن لا يستطيع نكاح الحرائر. فكذا هاهنا. ومما يدل على عدم النسخ ذكر هذه الآية مقارنة للأولى وجعل الناسخ مقارنا للمنسوخ، لا يجوز إلا بدليل قاهر.

قال الرازي: بعد تقرير كلام أبي مسلم: إن ثبت إجماع الأمة قبل أبي مسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>