مالهم. وكذلك يقول في الفصل بعد السّهمان المسماة، إذا لم تكن عصبة. ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة سوى زيد بن ثابت. وقد خالفه عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجعلوا ما يفضل من السّهمان ردا على أصحاب السهام من القرابة، وجعلوا المال لذي الرحم إذا لم يكن وارث سواه. والسنّة تعاضد ما روي عنهم، وتخالف ما روي عن زيد بن ثابت وتأويل القرآن يوجب ما ذهبوا إليه. وليس لأحد أن يقول في خلاف السنة والتنزيل بالرأي. قال الله تعالى:
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فصيّر القريب أولى من البعيد، وإلى هذا ذهب عمر وعليّ وعبد الله رضي الله عنهم ومن تابعهم من الأئمة، وعليه اعتمدوا، وبه تمسكوا- والله أعلم.
ولو كان في هذه المسألة ما يدل عليه شاهد من الكتاب والسنة، لكان الواجب تقليد الأفضل والأكثر من السابقين الأولين، وترك قبول من سواهم ممن لا يلحق بدرجتهم بسابقته. وإذا ردّ أمر الناس إلى التخيير من أقاويل السلف فهل يحيل أو يشكل على أحد أن زيدا لا يفي علمه بعلم عمر وعليّ وعبد الله؟ وإذا فضلوا في السابقة والهجرة، فمن أين وجب أن يؤخذ بما روي عن زيد بن ثابت، واطّراح ما روي عنهم، وقد استدلوا مع ذلك بالكتاب فيما ذهبوا إليه، وبالسنة فيما أفتوا به؟
والرواية ثابتة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتوريث من لا فرض له في الكتاب من القرابة. فمن ذلك ما ذكر لنا
عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهرويّ عن المقدام ابن معدي كرب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «١» أنه قال: الخال وارث من لا وارث له يرث ماله، ويعقل عنه. وكذلك بلغنا عن شريك بن عبد الله عن ليث عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم مثله. وعن ابن جريج عن عمر بن سلم عن طاوس عن عائشة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال مثل ذلك.
وذكر عن عبادة بن أبي عباد عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن محمد بن يحيا بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال: توفي ثابت بن أبي الدحداح، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعاصم بن عدي: أله فيكم نسب؟. قال: فدفع تركته إلى ابن أخته
فقد أوجب عليه السلام، بما نقلته عنه هذه الرواية، توريث من لا سهم له من القرابة مع عدم أصحاب السّهمان المبينة في الكتاب. وأعطى الجدة السدس من الميراث، ولا فرض لها، وفي ذلك الاتفاق، وفيما صير لها من السدس، دليل على أن من لا سهم له من القرابة في معناها؟ إذا بطلت السهام، ولم يكن من أهلها، وأنه أولى بالميراث من الأجنبيّ.
(١) أخرجه أبو داود في: الفرائض، ٨- باب في ميراث ذوي الأرحام، حديث رقم ٢٨٩٩ و ٢٩٠٠.