وقال زيد والمؤيد بالله والحنفية والشافعية: إن المشرك ليس نجس العين، لأنه صلى الله عليه وسلّم توضأ من مزادة مشرك، واستعار من صفوان دروعا ولم يغسلها، وكانت القصاع تختلف من بيوت أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الأسارى ولا تغسل، وكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يطبخون في أواني المشركين ولا تغسل. وأوّلوا الآية بما تقدم من الوجوه، وكلّ متأول ما احتج به الآخر. انتهى.
الثاني- قال السيوطي في (الإكليل) في قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا: إن الكافر يمنع من دخول الحرم، وإنه لا يؤذن له في دخوله، لا للتجارة ولا لغيرها، وإن كان مصلحة لنا، لأن المسجد الحرام حيث أطلق في القرآن فالمراد به الحرم كله، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء وغيرهم. واستدل الشافعي بظاهر الآية من أباح دخوله الحرم سوى المسجد، لقصره في الآية عليه. واستدل الشافعي بظاهر الآية على أنهم لا يمنعون من دخول سائر المساجد، لقوله الْحَرامَ. وقاس عليه غيره سائر المساجد واستدل أبو حنيفة بظاهرها أيضا على أن الكتابي لا يمنع من دخوله لتخصيصه بالمشرك. انتهى. وهو المتجه.
قال الشهاب: وبالظاهر أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى، إذ صرف المنع عن دخوله الحرم للحج والعمرة، بدليل قوله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، فإنه إنما يكون إذا منعوا من دخول الحرم، وهو ظاهر، أي لأن موضع التجارات ليس عين المسجد.
ونداء عليّ كرم الله وجهه بقوله: ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك، بأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يعيّنه.
فلا يقال إن منطوق الآية يخالفه. انتهى.
الثالث- قال الناصر: قد يستدل بقوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا ... الآية- من يقول إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وخصوصا بالمناهي، فإن ظاهر الآية توجه النهي إلى المشركين، إلا أنه بعيد، لأن المعلوم من المشركين أنهم لا ينزجرون بهذا النهي، والمقصود تطهير المسجد الحرام بإبعادهم عنه، فلا يحصل هذا المقصود إلا بنهي المسلمين عن تمكينهم من قربانه. ويرشد إلى أن المخاطب في الحقيقة المسلمون، تصدير الكلام بخطابهم في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وتضمينه نصّا بخطابهم بقوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، وكثيرا ما يتوجه النهي على من المراد خلافه، وعلى ما المراد خلافه، إذا كانت ثمّ ملازمة كقوله: لا أرينّك ها هنا وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٢] . انتهى.