لفظان عبرانيان، معنى الأول معين، والثاني الله مساعد. أما وقد تصرفت فيه العرب بالتصغير، فلا. وظاهر أن أغلب الأسماء القديمة، لانتقالها من أمة إلى أخرى وكثرة تداولها، تطرق إليها من شوائب التحريف والزيادة والنقصان، ما غير صيغتها الأصلية بعض التغيير ولما استعملت العرب من الأسماء العبرانية ونحوها ما أدخلته إلى لغتها، إما منحوتة من القديمة، أو محرفة منها، أصبحت بالاصطلاح من قبيل الأعلام العربية، إلا ما بقي على وضعه الأول.
وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى ما صدر عنهم من العظيمتين. وما فيه من معنى البعد، للدلالة على بعد درجة المشار إليه في الشناعة والفظاعة- قاله أبو السعود- قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ قال الزمخشريّ: فإن قلت: كل قول يقال بالفم، فما معنى بِأَفْواهِهِمْ؟ قلت: فيه وجهان:
أحدهما- أن يراد به أنه قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ يفوهون به، فارغ من معنى تحته، كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم، لا تدل على معان.
وذلك أن القول الدال على معنى، لفظه مقول بالفم، ومعناه مؤثر في القلب. وما لا معنى له، مقول بالفم لا غير.
والثاني- أن يراد بالقول المذهب، كقولهم (قول أبي حنيفة) ، يريدون مذهبه، وما يقول به، كأنه قيل: ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم، لا بقلوبهم، لأنه لا حجة معه ولا شبهة، حتى يؤثر في القلوب. وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له، لم تبق شبهة في انتفاء الولد. انتهى.
وثمّة وجه ثالث شائع في مثله، وهو التأكيد لنسبة هذا القول إليهم، مع التعجيب من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة. قال بعضهم: القول قد ينسب إلى الأفواه وإلى الألسنة، والأول أبلغ.
يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أي يضاهئ قولهم قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم، فضلوا كما ضل أولئك. قيل: المراد ب الَّذِينَ كَفَرُوا مشركو مكة، القائلون بأن الملائكة بنات الله، وهذا يتم إن أريد ب (اليهود والنصارى) في الآية، يهود المدينة ونصارى نجران في عهده صلّى الله عليه وسلّم، وهو وجه في الآية كما تقدم، فإنهم سبقوا من أهل مكة بالكفر به صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: المراد بهم قدماؤهم، يعني أن من كان في