وأذيالكم، وثقالا لكثرتها. أو خفافا من السلاح وثقالا منه. أو ركبانا ومشاة. أو شبابا وشيوخا أو مهازيل وسمانا. واللفظ الكريم يعم ذلك كله. والمراد حال سهولة النّفر وحال صعوبته.
وقد روي عن ثلة من الصحابة أنهم ما كانوا يتخلفون عن غزاة قط، ويستشهدون بهذه الآية.
ولما كانت البعوث إلى الشام، قرأ أبو طلحة رضي الله عنه سورة براءة حتى أتى على هذه الآية، فقال، أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا، جهزوني يا بنيّ! فقال بنوه يرحمك الله، قد غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك فقال: ما سمع الله عذر أحد، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل.
وكان أبو أيوب الأنصارى رضي الله عنه يقرأ هذه الآية، ويقول: فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا ولم يتخلف عن غزاة المسلمين إلا عاما واحدا.
وقال أبو راشد الحراني: وافيت المقداد بن الأسود، فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فصل عنها يريد الغزو، فقلت له: قد أعذر الله إليك، فقال: أتت علينا سورة البعوث انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا.
وعن حيّان بن زيد قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو وكان واليا على حمص- فرأيت شيخا كبيرا همّا، قد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق، على راحلته فيمن أغار، فأقبلت إليه فقلت: يا عم! لقد أعذر الله إليك، قال. فرفع حاجبيه فقال:
يا ابن أخي! استنفرنا الله خفافا وثقالا، ألا إنه من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده الله فيبقيه. وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله عزّ وجلّ- روى ذلك كله ابن جرير-.
فرحم الله تلك الأنفس الزكية، وحيّاها من بواسل، باعت أرواحها في مرضاة ربها، وإعلاء كلمته، وأكرمت نفسها عن الاغترار بزخارف هذه الحياة الدنية.
ثم رغّب تعالى في النفقة في سبيله، وبذل المهج في مرضاته، ومرضاة رسوله، فقال: وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما في اسم الإشارة إلى النفير والجهاد من معنى البعد، للإيذان ببعد منزلته في الشرف، والمراد بكونه خيرا، وأنه خير في نفسه، أو خير من الدعة، والتمتع بالأموال.