وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك. ودل عليه قراءة حمزة. (ورحمة) بالجر عطفا عليه. أي هو أذن خير لكم ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله. ثم فسر كونه أذن خير بقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ قال القاشاني: هو بيان لينه صلّى الله عليه وسلّم وقابليته، لأن الإيمان لا يكون إلا مع سلامة القلب ولطافة النفس ولينها وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يصدق قولهم في الخيرات، ويسمع كلامهم فيها ويقبله، وَرَحْمَةٌ أي وهو رحمة لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي يعطف عليهم، ويرقّ لهم، فينجيهم من العذاب بالتزكية والتعليم، ويصلح أمر معاشهم ومعادهم، بالبر والصلة، وتعليم الأخلاق من الحلم والشفقة والأمر بالمعروف، باتباعهم إياه فيها، ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في الدارين، والتحريض على أبواب البر بالقول والفعل، إلى غير ذلك.
قاله القاشاني.
وقال غيره: أي هو رحمة للذين أظهروا الإيمان منكم، معشر المنافقين، حيث يقبله، لا تصديقا لكم، بل رفقا بكم، وترحما عليكم، ولا يكشف أسراركم، ولا يفضحكم، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين، مراعاة لما رأى تعالى من الحكمة في الإبقاء عليكم.
قال الشهاب: والمعنى: هو أذن خير يسمع آيات الله ودلائله فيصدقها ويستمع للمؤمنين، فيسلم لهم ما يقولون، ويصدقهم. وهو تعريض بأن المنافقين أذن شر، يسمعون آيات الله ولا يثقون بها، ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يسمع أقوالهم إلا شفقة عليهم، لا أنه يقبلها لعدم تمييزه، كما زعموا.
وقال القاشاني في (تفسيره) : كانوا يؤذونه، صلوات الله عليه، ويغتابونه بسلامة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمع، فصدقهم في ذلك وسلّم وقال:
هو كذلك، ولكن بالنسبة إلى الخير، فإن النفس الأبية والغليظة الجافية، والكزة القاسية التي تتصلب في الأمور، ولا تتأثر، غير مستعدة للكمال. إذ الكمال الإنساني لا يكون إلا بالقبول والتأثر، فكلما كانت النفس ألين عريكة، وأسلم قلبا، وأسهل قبولا، كانت أقبل للكمال، وأشد استعدادا له. وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبلاهة الذي يقتضي الانفعال من كل ما يسمع، حتى المحال، والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه، حتى الكذب والشرور والضلال، بل هو من باب اللطافة، وسرعة القبول لما يناسبه من الخير والصدق، فلذلك قال: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ إذ صفاء الاستعداد، ولطف النفس، يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات، لا ما ينافيه من