للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه ذلك، ولكنه خيل بما قال إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، كقول إبراهيم عليه السلام: وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم: ٣٦] وفي إظهار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرأفة والرحمة لطف لأمته، ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض.

انتهى.

قال الشراح: يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير، فجوّز الإجابة بالزيادة قصدا إلى إظهار الرأفة والرحمة، كما جعل إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم جزاء من عصاني أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام، قوله فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دون أن يقول: (شديد العقاب) فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم، وحثّا على الاتباع. وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه، لا ينافي فصاحته، ومعرفته باللسان، فإنه لا خطأ فيه، ولا بعد، إذ هو الأصل. ورجحه عنده شغفه بهدايتهم، ورأفته بهم، واستعطاف من عداهم.

قال الناصر: وقد أنكر القاضي رضي الله عنه حديث الاستغفار، ولم يصححه، وتغالى قوم في قبوله، حتى إنهم اتخذوه عمدة في مفهوم المخالفة، وبنوه على أنه عليه السلام فهم من تحديد نفي الغفران بالسبعين، ثبوت الغفران بالزائد عليه، وذلك سبب إنكار القاضي عليهم وقيل: لما سوى الله بين الاستغفار وعدمه، ورتب عليه عدم القبول، ولم ينه عنه، فهم أنه خير ومرخص فيه، وهذا مراده صلّى الله عليه وسلّم، لا أنه فهم التخيير من (أو) ، حتى ينافي التسوية بينهما، المرتب عليها عدم المغفرة، وذلك تطيبا لخاطرهم، وأنه لم يأل جهدا في الرأفة بهم.

قال الشهاب: والتحقيق أن المراد التسوية في عدم الفائدة، وهي لا تنافي التخيير، ثبت فهو بطريق الاقتضاء، لوقوعها بين ضدين لا يجوز تركهما ولا فعلهما، فلا بد من أحدهما. فقد يكون في الإثبات كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: ٦] ، لأنه مأمور بالتبليغ، وقد يكون في النفي كما هنا، وفي قوله:

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ... [المنافقون: ٦] الآية- فهو محتاج إلى البيان.

ولذا

قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنه رخص لي)

ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لما نزلت اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لأزيدنّ على السبعين، فأنزل الله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>