للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين، وأطوف بالأسواق، فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم وأقول في نفسي: أحرّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟

ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، فإذا التفتّ نحوه أعرض عني. حتى إذا طال عليّ ذلك من هجر المسلمين، مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فو الله! ما ردّ عليّ السلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال:

فسكت. قال: فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فقال: الله ورسوله أعلم. قال: ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار. فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا أنا بنبطي من أنباط الشام، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول:

من يدل على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إليّ، حتى جاء فدفع إليّ كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا، فإذا فيه:

(أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وإن الله لم يجعلك بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسيك) .

قال: فقلت- حين قرأته-: وهذا أيضا من البلاء. قال: فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا برسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني يقول: يأمرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ فقال: بل اعتزلها ولا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء! قال:

فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله! إن هلالا شيخ ضعيف، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربك! قالت: وإنه، والله! ما به من حركة إلى شيء، وإنه والله! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.

قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه. قال: فقلت: والله! لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أدري ما يقول فيها إذا استأذنته، وأنا رجل شابّ. قال: فلبثنا عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا.

قال: ثم صليت صلاة الصبح، صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا، قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت

<<  <  ج: ص:  >  >>